ذات صباح من صباحات عيد الأضحى، كانت أصوات الأكباش تعلو الأزقة، وروائح الشواء تتسلل من النوافذ لتبشر بفرح موسمي متجذر في وجدان المغاربة. لكن هذا العام، تغير المشهد. لا خروف يجر، ولا أطفال يتباهون بكبش العيد. فقط صمت ثقيل، يتخلله صوت دجاجة تقاقي في زاوية السوق… وكأن العيد قرر أن يرتدي قناعا جديدا.
في سابقة قل نظيرها، أعلن الملك محمد السادس عن إلغاء ذبح الأضاحي هذه السنة، في خطوة بدت للكثيرين مفاجئة، لكنها تنسجم مع واقع لم يعد قابلا للتجميل: سنوات من الجفاف أنهكت المراعي، وغلاء الأسعار أنهك الجيوب، حتى بات خروف العيد حلما مؤجلا في بيت أغلب الأسر المغربية.
وفي قلب هذا التغيير، يعاد تعريف طقوس “العيد الكبير”، حيث تحولت موائد المغاربة من لحوم الأكباش إلى صدور الدجاج وأفخاذه، كخيار “لائق” لا يخدش الكرامة ولا يرهق القدرة الشرائية.
تقول السيدة ليلى، ربة أسرة من ضواحي فاس، بابتسامة تخفي قلقا معاشيا: “بالنسبة لي، قرار إلغاء الأضاحي جاء في وقته. الأثمنة مشتعلة، من الخضر إلى الزيت إلى اللحم… واش نزيدو على راسنا حمل ثقيل؟”. وتتابع، وهي تمسح على رأس صغيرها: “اشتريت دجاجات قبل العيد، خفت يطلع الثمن حتى هو… العيد بلا خروف؟ عادي، المهم نكونو مجموعين”.
بعيدا عن مظاهر البذخ الموسمية، وجدت آلاف الأسر في هذا القرار متنفسا، واعترافا رسميا بأن التضحية قد تكون أحياناً في التنازل عن التقاليد من أجل الكرامة.
فرحة العيد، كما تؤكد ليلى،..”ليست في شواء اللحم، بل في لمة العائلة، في صلاة العيد، في زينة البيت وابتسامة الأطفال. الأضحية كانت رمزا،.. لكن الرسالة الأعمق هي التضامن والتقوى، وهذه لا تحتاج إلى خروف لتتحقق”.
في الأسواق،.. لوحظ تزايد الإقبال على الدجاج، حيث تحول إلى “نجم الموسم”، في حين بدت محلات بيع الماشية خاوية إلا من ذكريات أعياد خلت. مشهد جديد يعيد تشكيل الوعي الجماعي ويطرح تساؤلا مشروعا: هل يمكن للعيد أن يكتمل دون أضحية؟