الأكثر مشاهدة

من البراق إلى الترامواي والباصواي.. الدار البيضاء ترسم ملامح مدينة المستقبل

من يقصد محطة “الدار البيضاء المسافرين” صباحا، يلمس مباشرة أن التنقل في العاصمة الاقتصادية لم يعد مجرد انتقال من نقطة إلى أخرى، بل تجربة حضرية متكاملة. عند مدخل المحطة، تستوقف الزوار مجسمات فنية تحمل عبارات ترحيب من مختلف اللغات، لتؤكد أن الدار البيضاء لم تعد فقط مدينة مغربية، بل فضاء قاريا مفتوحا على أوروبا والعالم.

شاب مغربي قدم على متن القطار فائق السرعة “البراق” من طنجة، تحدث بإعجاب عن سهولة تنقله: “من لقاءات العمل إلى التسوق وزيارة المدن، كل شيء أصبح ممكنا في وقت وجيز”. وهو ما يبرز الدور المحوري لشبكة القطارات السريعة في ربط المدن الكبرى، وتوفير خدمات رقمية تسهل حياة المسافرين.

لكن التحول في التنقل داخل المدينة لا يقتصر على السكك الحديدية. فمحطة الدار البيضاء المسافرين نفسها صارت نقطة تقاطع مع الترامواي، الذي يغطي وجهات سياحية وتاريخية كعين الذئاب، الحي الحسني، الحي المحمدي، وحتى الأحياء العتيقة مثل المدينة القديمة والحبوس. أحد الركاب أوضح أنه يحتفظ ببطاقة قابلة للشحن منذ سنتين، لا تنتهي صلاحيتها قبل 2028، مما يجعل رحلاته أسهل وأقل تكلفة.

- Ad -

محطات فنية، جسور معلقة، وحافلات ذكية.. هكذا تغيرت التنقلات في البيضاء

وفي مسار مختلف، يفرض جسر سيدي معروف نفسه كمعلمة حضرية حديثة. الجسر المعلق، بمستوياته الثلاثة ومحاور دورانه، حل مشكلة الازدحام عند المدخل الجنوبي للمدينة، وفتح الطريق نحو أقطاب اقتصادية جديدة مثل كازا نيرشور وكازا سيتي فاينانس.

التحول الأبرز تمثل في دخول الحافلات ذات الخدمة العالية (Busway)، التي صارت تلتقي مع خطوط الترامواي في محطات رئيسية، وتشاركها نفس التذكرة لتشكيل شبكة نقل مندمجة. بالنسبة لآلاف السكان في مناطق مثل الرحمة، سباتة أو السالمية، كان لهذا المشروع أثر اجتماعي مباشر. تقول مريم، شابة تعمل في مركز للاتصالات: “قبل سنوات، انقطعت عن الدراسة بسبب غياب النقل. اليوم صار الوصول إلى الجامعة أو مكان العمل أمرا طبيعيا”.

التجربة نفسها يعيشها سكان أحياء بعيدة مثل أولاد عزوز، حيث يصف البعض الحافلات الجديدة بأنها “بداية عهد جديد”، بفضل معايير الراحة والسلامة التي جاءت لتعويض صورة النقل العمومي التقليدي.

إلى جانب هذه المشاريع الضخمة، يشهد قطاع سيارات الأجرة بدوره ثورة رقمية. كثير من السائقين باتوا يعتمدون تطبيقات ذكية للحجز المسبق، استجابة لطلب زبناء أكثر اتصالا بالعالم الرقمي، ما يجعل خدمة الطاكسي جزءا من المنظومة الحديثة للتنقل.

وفي قلب هذا المشهد، يتنقل السكان والزوار بين البحر والأحياء، عبر نفق الموحدين، أطول نفق حضري في المغرب، أو يستمتعون بالتجول بمحاذاة الكورنيش الأطلسي. كلها إشارات إلى أن الدار البيضاء تتحول تدريجيا إلى مختبر حضري، حيث يلتقي التخطيط، الفن، والرقمنة لصناعة تجربة تنقل جديدة.

مقالات ذات صلة