من يتابع الإعلام الجزائري، الصحفي منه أو التلفزي، سيكتشف سريعا أن كل ما له علاقة بالمغرب يتحول إلى “أزمة قومية” تغرق الشاشات بالعناوين الحمراء والمحللين الغاضبين. أما توقيع الاتفاق الفلاحي الأخير بين المغرب والاتحاد الأوروبي فقد أطلق العنان لسيل جديد من التقارير التي توزعت بين التحليل الاقتصادي المزيف والتهويل السياسي المضحك، وكأن أوروبا اجتمعت خصيصا لـ”استفزاز” الجزائر.
ففي ظرف ساعات، تناسلت البرامج التلفزية التي وصفت الاتفاق بـ”المؤامرة الاستعمارية”، بينما راحت أخرى تفبرك قصصا عن “لوبيات” أوروبية تتحرك تحت الطاولة لدعم الرباط. وحتى الجرائد الورقية لم تفوت الفرصة، فأخرجت عناوين مثيرة على شاكلة: “أوروبا تبيع مبادئها للدرهم المغربي”. كأن الأمر يتعلق بصفقة سرية تمت في الظلام، بينما الحقيقة لا تتجاوز مجرد تعاون تجاري علني وموثق.
المضحك في المشهد أن عشرات المحللين الذين استضيفوا في القنوات والصحف الجزائرية أصروا على الحديث عن “غير شرعية” الاتفاق، رغم أن بروكسيل هي نفسها من صادقت عليه بعد مفاوضات مطولة.
في المقابل، يتعامل المغرب مع الموضوع ببرودة أعصاب واضحة، مؤكدا أن الاتفاق يعكس ثقة الشريك الأوروبي في جودة منتوجاته، وسيادته على أقاليمه الجنوبية باعبارها جزء لا يتجزأ من الوحدة الترابية للمملكة، ويمنح الفلاحين في جهتي العيون الساقية الحمراء والداخلة وادي الذهب فرصا أوسع في الأسواق الأوروبية. أما البوليساريو وحليفتها الجزائر فلا تملان من إصدار البيانات النارية، التي سرعان ما تتحول إلى مادة للتندر على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يسخر المغاربة من “المسلسلات الإعلامية” التي تنتجها الجارة الشرقية بلا توقف.
ويبدو أن القاعدة الذهبية في الإعلام الجزائري اليوم هي: كل نجاح يحققه المغرب يستحق نشرة عاجلة، وتحليلا مطولا، وبرنامجا خاصا، وحتى تقريرا “وثائقيا”. أما النتيجة فهي أن الأخبار التي يفترض أن تقوض أمن المغرب، تتحول إلى مادة دسمة لإبراز نجاحات المملكة وفشل جار السوء.