الأكثر مشاهدة

ميناء الداخلة الأطلسي… المغرب يعيد رسم خريطة التجارة الإفريقية من قلب الصحراء

في قلب سواحل الداخلة، يتقدم مشروع ميناء الداخلة الأطلسي بخطى ثابتة، واضعا نصب عينيه هدفا استراتيجيا واضحا: تحويل الجنوب المغربي إلى محور لوجستي إفريقي قادر على ربط القارات الثلاث. المشروع الذي أعطى انطلاقته الملك محمد السادس سنة 2021، برؤية تجمع بين العمق الجيوسياسي والرهانات الاقتصادية، يواصل مساره بأشغال بلغت اليوم عتبة 40%، من أصل استثمار ضخم يناهز 12,65 مليار درهم.

هذا الورش ليس مجرد منصة بحرية، بل هو واجهة مغربية جديدة موجهة نحو غرب إفريقيا، بخطط دقيقة تشمل أرصفة عميقة، منطقة صناعية حرة، ومستودعات لوجستية، إضافة إلى ربط بري وسككي مباشر. طموح المغرب واضح: استقبال 3 ملايين حاوية سنويا بحلول 2027، وتوفير بوابة بحرية للدول الساحلية الحبيسة مثل مالي والنيجر وبوركينافاسو.

المشروع سيغير معادلة الزمن والمسافة. حاليا، يتطلب نقل حاوية من باماكو إلى أوروبا رحلة مرهقة تستغرق عشرة أيام عبر الطرق الصحراوية. أما بعد اكتمال الميناء والطريق السريع تزنيت-الداخلة (1055 كلم بميزانية 10 مليار درهم)، فسينخفض هذا الزمن إلى أقل من ثلاثة أيام. ويرتقب أن تلعب هذه البنية دورا محوريا في خفض تكاليف النقل وتعزيز تنافسية المنتجات الإفريقية.

- Ad -

ميناء الداخلة الأطلسي… المغرب يعيد رسم خريطة التجارة الإفريقية من قلب الصحراء

البنك الإفريقي للتنمية، واع بأهمية هذا التحول، يناقش تمويلا بقيمة 500 مليون دولار لدعم مشاريع البنية التحتية المرتبطة بالميناء، خاصة في مجالات الحوامض، الفوسفاط والمنتجات البحرية. وتقديرات وزارة النقل تتوقع ارتفاعا بـ35% في صادرات المغرب نحو غرب إفريقيا بحلول 2030، ما يعادل 12 مليار درهم إضافية.

الداخلة لا تراهن فقط على الميناء. المشروع جزء من منظومة متكاملة تشمل محطة لتحلية مياه البحر (بـ57% من أشغالها)، مزودة بطاقة رياح بـ150 ميغاواط، إضافة إلى الحرم الجامعي لجامعة محمد السادس للعلوم الصحية. في المنطقة الحرة المرافقة، تستعد 15 وحدة صناعية للمنتجات البحرية للانطلاق، مع تجهيز أرصفة صيد مبردة (RSW) تديرها أسطول محلي قادر على تفريغ 400 ألف طن سنويا.

النموذج اللوجستي المتكامل (صيد-تصنيع-تصدير) جذب اهتمام الاتحاد الأوروبي الذي يخطط لافتتاح مكتب صحي دائم في الميناء لتسهيل ولوج المنتجات المغربية إلى الأسواق الأوروبية.

الطريق السريع الجديد ليس مجرد شريان نقل، بل هو العمود الفقري لممر لوجستي متعدد الوسائط، حيث يتم التخطيط لإنشاء خط سكة حديدية يربط مناجم فوسفاط خريبكة بالميناء، مع توسعة شبكة الألياف البصرية لتشمل نواذيبو ونواكشوط، مما سيحول الداخلة إلى مركز بيانات إقليمي يخدم شركات النفط البحرية.

حجم الاهتمام الإفريقي بدأ يظهر ميدانيا. مجموعة Cotex من تشاد أبرمت اتفاقا لتشييد منصة خاصة بالقطن والصمغ العربي، في حين دخلت مجموعة Bolloré في مفاوضات لتطوير منصة مخصصة للفواكه الاستوائية من غانا وساحل العاج. كما افتتحت تشاد قنصليتها في الداخلة في دجنبر 2024، تلتها غامبيا بمكاتب تجارية في المنطقة الحرة، في إشارة واضحة لتحول الداخلة إلى بوابة عبور رئيسية نحو الساحل الإفريقي.

أكثر من 3200 عامل، 40% منهم شباب من المنطقة، يشتغلون في ورش الميناء، فيما تتوقع التقديرات خلق 18 ألف منصب شغل مباشر و35 ألف غير مباشر في أفق 2030. المشروع ملتزم أيضا بالمعايير البيئية الصارمة: طاقة متجددة، تدوير شامل للنفايات، واعتماد معايير ISO 14001 لكل الوحدات العاملة.

مقالات ذات صلة