عرف ميناء مليلية خلال عملية “العبور 2025” تراجعا وصفته أطراف محلية في المدينة السليبة بـ “المقلق” في حركة الملاحة البحرية، ما أثر بشكل مباشر على البنية اللوجستيكية للمدينة وساكنتها. فقد كشف مانويل كيبيدو، رئيس هيئة الميناء، عن انخفاض بنسبة 34% في عدد المسافرين والمركبات مقارنة بالسنة الماضية.
هذا التراجع لم يكن مفاجئا في ظل تقليص عدد الرحلات الأسبوعية من 22 إلى 12 فقط، إلى جانب اعتماد باخرة متهالكة عمرها عشرون سنة، بالكاد تستوفي الحد القانوني، لكنها تفتقر إلى التجهيزات الضرورية، خاصة في ما يخص عدد الكبائن.
ورغم أن الباخرة المستعملة على خط ألميريا – مليلية تستوفي شروط دفتر التحملات من حيث العمر، إلا أن ضعف قدرتها الاستيعابية يشكل مشكلة حقيقية. لا تتوفر السفينة سوى على 204 أماكن للنوم، ما يفرض على أكثر من 900 راكب السفر في مقاعد، وهو أمر لا يليق، بحسب تصريحات كيبيدو، الذي اعتبر الوضع “إهانة لا يستحقها سكان مليلية”.
وأشار المسؤول ذاته إلى أن الكبائن غالبا ما تستعمل من طرف عائلات صغيرة في غرف تتسع لأربعة أفراد، ما يخفض العدد الفعلي للركاب القادرين على الاستفادة من النوم المريح إلى حدود 100 فقط.
مقترحات محلية لم تؤخذ بعين الاعتبار
سبق لحكومة مليلية والحزب الشعبي وهيئة الميناء أن رفعوا توصيات لتشديد شروط دفتر التحملات في ما يتعلق بعدد الكبائن، غير أن الدولة المركزية قررت تخفيف المعايير، ما أتاح اختيار سفينة غير مؤهلة فعليا. وقال كيبيدو: “لو تم الأخذ باقتراحاتنا، لما وصلت هذه السفينة إلى مياهنا”.
وطالب بتعديل العقد الحالي قبل فاتح يناير المقبل، مشيرا إلى أن الأمر يمكن أن يتم باتفاق ودي بين الأطراف، وهو ما يفتح الباب لتدارك الخلل في موسم 2026.
قدم رئيس الميناء تحليلا تفصيليا لحجم الخسائر حسب الخطوط. فبينما حافظ خط مليلية – ملقة على استقراره بخسارة طفيفة لا تتجاوز 1%، بفضل السفينة عالية الجودة والرحلات الثمانية الأسبوعية، تدهور الوضع بشكل دراماتيكي في خط ألميريا، الذي فقد 60% من حركة المرور بسبب إلغاء الرحلات في عطلة نهاية الأسبوع، وهي الفترات الأكثر ازدحاما خلال عملية العبور.
التداعيات الاقتصادية كانت مباشرة. وحدها المحطة البحرية خسرت قرابة 190 ألف يورو، فيما لم يتم بعد احتساب خسائر هيئة الميناء وشركات النقل البحري، رغم أن تكاليف التشغيل بقيت على حالها، من شرطة الميناء إلى الخيام والتجهيزات، في ظل تراجع عدد المستخدمين.
خطوط الناظور والحسيمة تربح على حساب مليلية
الغريب، حسب كيبيدو، أن هذا التدهور ساهم في تقوية خطوط بحرية منافسة، إذ شهد خط ألميريا – الناظور نموا ملحوظا، وكذلك خط موتريل – الحسيمة، بينما تراجع خط ألميريا – مليلية بشكل كارثي. “نحن نغذي المنافسة بقرارات سيئة”، قال رئيس هيئة الميناء بغضب.
لم تقتصر الانتقادات على المستوى المحلي، بل اتجهت نحو الحكومة المركزية التي ترفض تعديل العقد بدعوى الكلفة المالية، التي تبلغ 800 ألف يورو سنويا، مبلغ يرى كيبيدو أنه يمكن استرجاعه بسهولة عبر العائدات المنتظرة للميناء وشركات الملاحة.
كما دعا حكومة مليلية المحلية إلى تحمل مسؤوليتها واتخاذ موقف واضح: “إما أن تدعم هذا التعديل أو تصارح المواطنين بأنها ترفضه لأسباب مالية”.
تصاعد الغضب في أوساط سكان مليلية الذين يعتمدون على هذا الخط البحري في تنقلاتهم نحو الضفة الإسبانية، معتبرين أن الأزمة لم تعد محصورة في الأرقام، بل تمس صميم حياتهم الأسرية وحقهم في التنقل بكرامة.
واختتم كيبيدو تصريحاته قائلا: “نحن لا نطلب معجزة، فقط تعديلا طفيفا بنسبة 4 أو 5% في العقد، وهو أمر مألوف في مشاريع البناء والخدمات… فهل هذا كثير على مليلية؟”.