عاد الجدل مجددا داخل الأوساط الحكومية المغربية حول مشروع تقليص عدد الجهات من 12 إلى 7، في سياق إعادة التفكير في الهندسة الترابية للمملكة، ضمن مراجعة شاملة لتجربة الجهوية المتقدمة التي انطلقت سنة 2015.
مصادر خاصة كشفت لجريدة “العمق المغربي” أن الموضوع طرح على طاولة المجلس الحكومي، في إطار تقييم السياسات الجهوية والبحث عن صيغة أكثر نجاعة لتحقيق العدالة المجالية. ووفق ما تسرب من النقاشات، فإن هذا التوجه الجديد يندرج ضمن رؤية تروم تقليص الفوارق بين المناطق وتعزيز التناغم المؤسساتي.
غير أن وزارة الداخلية، من جهتها، سعت إلى تبديد ما وصفته بـ”الإشاعات”، حيث اعتبر مصدر رسمي أن ما يتداول من معطيات عن تقسيم إداري جديد لا يعدو كونه “مجرد تكهنات”. لكن الحراك الرقمي على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي ساهم في توسيع رقعة الجدل، يؤكد أن الرأي العام يتابع الموضوع عن كثب، في ظل الغموض الرسمي.
“ترابية الهوية”: نموذج جديد لتقسيم جهوي في المغرب يرتكز على الثقافة واللغة
وسط هذا التفاعل، يبرز اقتراح أكاديمي مغاير للمنظور التقني التقليدي. الباحث الجامعي سعيد بنيس، أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة محمد الخامس، دعا إلى إعادة رسم الخريطة الجهوية على أساس ثقافي ولساني، مقدما نموذجا مبتكرا تحت مسمى “ترابية الهوية”. في عمله الأكاديمي المعنون “من التعدد إلى التعددية” (2023)، اقترح بنيس سبع جهات ثقافية: الجهة البدوية، جهة تريفيت، الجهة الجبلية، جهة تمزيغت، الجهة العروبية، جهة تشلحيت، وجهة حسانية.
المثير في هذا التصور أنه لا يفصل بين الهوية والتنمية، بل يرى أن الاعتراف بالتعدد الثقافي من خلال التقسيم الإداري، من شأنه أن يعزز الانتماء الوطني، ويمهد لحلول ناجعة للمشاكل المجالية عبر الارتكاز على خصوصيات كل منطقة.
ولمن يعتقد أن هذا التوجه جديد تماما، يكفي أن نتذكر أن المغرب اعتمد سنة 1971 تقسيما إلى 7 جهات اقتصادية، في محاولة للحد من تركيز التنمية في محور الرباط – الدار البيضاء. واليوم، بعد نصف قرن، يبدو أن الزمن قد دار دورته، لكن بمنطق جديد يحاول أن يجمع بين التنوع الثقافي والمردودية الاقتصادية.
ويبقى السؤال المطروح: هل يمتلك المغرب اليوم الإرادة السياسية الكافية لترجمة هذا الطموح إلى إصلاح هيكلي شامل يعزز الانسجام الترابي ويكرّس التعدد بوصفه قوة موحدة لا عاملا للتفرقة؟