في قلب الدار البيضاء، ومع ارتفاع حرارة نهاية الصيف، تشهد الشوارع الرئيسية ازدحاما لا يهدأ، خصوصا على محاور الحركة الحيوية مثل شارع محمد الخامس وطريق أنفا. السيارات والدراجات النارية تتزاحم، والمشاة يحاولون عبور الطرق وسط صعوبة الالتزام بالإشارات المرورية.
رشيد، سائق قديم ومعروف بحسن قيادته، يروي تجربته اليومية: “كل يوم ألاحظ تجاوزات مستمرة، دراجات تدخل ممرات الباصات، سيارات تكسر القوانين وكأن الشوارع ملك لها. حتى عند إشارات المرور، البعض يتجاوز دون أي خوف من العقاب”. هذا الواقع يعكس مستوى الانحراف المدني المنتشر في المدينة، والذي أصبح يشكل تحديا حقيقيا أمام السلطات والمواطنين على حد سواء.
الظاهرة لا تتوقف عند الطرقات. في الأسواق والمرافق العامة، كثير من الزوار يشاهدون رمي النفايات بشكل عشوائي، ترك فضلات الحيوانات، وتخريب الممتلكات العامة، في حين تتزايد حالات التجاوزات في وسائل النقل العمومي، مثل استعمال مكبرات الصوت في الحافلات أو تجاهل حقوق الآخرين.
انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي مؤخرا نصوص وتحليلات حول هذا الانحراف، أبرزها ما يعرف باسم “تاهركاويت” أو “اللا-مدنية اليومية”، الذي يحث على إعادة النظر في السلوكيات الفردية قبل التركيز على البنية التحتية. ويشير مؤلفو هذه النصوص إلى أن التحدي الأكبر ليس بناء الطرق أو الملاعب، بل غرس ثقافة الالتزام بالقوانين في المواطنين منذ الصغر، لتصبح الشوارع فضاء آمنا ومنظما للجميع.
الخبراء يؤكدون أن الانحراف المدني يتغذى على غياب العقوبات وضعف الرقابة، مشددين على أن الحل يكمن في الموازنة بين تطبيق القانون وتوفير بيئة حضرية محترمة، تشمل نظافة الشوارع، تأمين الممرات المخصصة للمشاة ووسائل النقل، وغرس قيم الالتزام في المدارس.
الدار البيضاء، بكونها العاصمة الاقتصادية وأكبر المدن المغربية، تواجه اليوم اختبارا مزدوجا: تطوير بنيتها التحتية لاستقبال المشاريع الكبرى، وفي الوقت نفسه تعليم سكانها الالتزام بالقواعد اليومية، لأن نجاح المدينة ونجاح أي حدث وطني كبير مثل كأس العالم لن يتحقق إلا بوعي جماعي وتصرفات مدنية مسؤولة.