في ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها المدن الكبرى بالمغرب، جاءت زيارة وفد مدينة تولوز الفرنسية إلى الدار البيضاء كمناسبة مهمة لإعادة التفكير في آليات الشراكة الدولية، ليس من باب البروتوكول، ولكن كفرصة فعلية لتبادل خبرات وتجارب قادرة على إعادة توجيه مسار التحول الحضري بالمدينة.
الزيارة التي توجت بتجديد اتفاقية الشراكة بين المدينتين، تحمل في طياتها إمكانيات كبيرة لو أحسنت العاصمة الاقتصادية استثمارها. فمدينة تولوز، التي تعد من النماذج الأوروبية الرائدة في التخطيط المستدام، والنقل الحضري النظيف، والحوكمة المحلية، يمكن أن تلهم البيضاء في عدد من القطاعات التي لا تزال تعاني من بطء في التغيير.

من التوقيع إلى التنفيذ: هل تنتقل الشراكة إلى مرحلة الفعل؟
ما يميز هذا النوع من الاتفاقيات ليس النصوص التي توقع، بل القدرة على تحويلها إلى مشاريع ملموسة تحدث فرقا في حياة الساكنة. الدار البيضاء اليوم في حاجة ماسة إلى شراكات استراتيجية تركز على التحديات اليومية: النقل العمومي، تدبير النفايات، التنشيط الثقافي، والعدالة المجالية بين الأحياء.
الوفد الفرنسي الذي زار المدينة لم يأت للسياحة، بل عقد اجتماعات مع مسؤولي شركات التنمية المحلية، ووقف ميدانيا على بعض مشاريع التحديث التي تعرفها المدينة. هذه الزيارات التقنية تشكل مدخلا لتعاون أعمق في مجالات التكنولوجيا الحضرية، وتطوير الخدمات العمومية الرقمية، وتحسين بيئة العيش في الأحياء المهمشة.
ما الذي يمكن للبيضاء أن تستفيده فعليا؟
البيضاء يمكن أن تستفيد من تجربة تولوز في عدة مجالات:
- النقل المستدام: تولوز تعتبر مرجعا أوروبيا في أنظمة المترو الكهربائي والترامواي منخفض الانبعاثات. فهل يمكن للشراكة أن تثمر دعما تقنيا أو حتى تمويليا لمشاريع النقل البيئي في البيضاء؟
- التخطيط العمراني الذكي: في زمن التوسع العمراني العشوائي، تحتاج البيضاء إلى تبني أدوات متقدمة للتخطيط الحضري، وهو ما نجحت فيه تولوز من خلال مقاربات تشاركية ومنصات رقمية موجهة للمواطنين.
- الدبلوماسية الثقافية: من شأن التبادل الثقافي بين المدينتين أن يعزز صورة البيضاء كمدينة منفتحة ومبدعة، خصوصا عبر احتضان تظاهرات فنية، وبرامج تبادل طلابي بين الجامعات والمؤسسات الثقافية.
إذا كانت الدار البيضاء تبحث فعلا عن نموذج تنموي جديد، فعليها أن تتجاوز منطق الزيارات البروتوكولية نحو شراكات حقيقية تترجم على الأرض، من خلال مشاريع تجريبية، وتبادل للكفاءات، وتمويلات مشتركة. في زمن المدن الذكية، التعاون الدولي لم يعد ترفا دبلوماسيا، بل أصبح أداة استراتيجية للتأهيل الحضري والاقتصادي والاجتماعي.
يسعدني تلقي رسائلكم على: ayoub.anfanews@gmail.com