بين الأزقة الهادئة لمدينة مليلية المحتلة، وفي زوايا بعيدة عن عدسات الإعلام، تجري وحدات من الجيش الإسباني تدريبات وتحركات ميدانية بشكل يومي، تشمل دوريات حضرية بالمدرعات، استطلاعا ميدانيا، ومراقبة لمناطق توصف بالحساسة. هذه العمليات العسكرية لا تأتي في سياق إنذار طارئ، بل تندرج ضمن خطة دائمة ومرتبطة بالموقع الجيوسياسي الخاص للجيب الحدودي مع المغرب وفقا لوسائل إعلام إسبانية.
وتؤكد معطيات كشف عنها موقع “إل كونفيدينسيال ديجيتال” أن هذه الدوريات تضم أفرادا ذوي تكوين عال في مجالات المراقبة، والاستعلامات التكتيكية، والتدخلات السريعة، وتكلف هذه الفرق برصد أي مؤشرات محتملة على تحركات غير معتادة قرب السياج الحدودي، وضمان تأمين المجال الحضري.
التحركات لا تقتصر على وسط المدينة فقط، بل تشمل أطرافها، وتنفذ بطرق مدروسة لتفادي إثارة انتباه السكان أو زوار المدينة. وتتم عمليات الرصد والتقييم على الأرض بشكل يسمح بتحديث الخرائط الميدانية والتعرف على التغيرات العمرانية، مع الحفاظ على تغطية شاملة للمنطقة.
مليلية تتحول إلى ثكنة غير مرئية.. تحركات مدرعة وتدريبات على الشغب
وفي موازاة هذه الأنشطة، يتلقى عناصر الجيش تدريبا متخصصا في التعامل مع اضطرابات الشغب، وهي مهارة اكتسبت أهمية متزايدة مؤخرا. وقد شارك في هذه التدريبات عناصر من وحدة “الترثيو الأول” التابعة للفيلق الإسباني المعروف باسم “الغراند كابيتان”، إلى جانب وحدات من القيادة العامة.
وشهدت التدريبات استخدام خوذات واقية، دروع، ومركبات مدرعة من طراز BMR، تحت إشراف محترفين من الشرطة الوطنية (UIP) والحرس المدني (GRS)، الذين تولوا توجيه الجنود حول الإجراءات الواجب اتباعها في حالة الطوارئ أو الاضطرابات الجماهيرية، سواء داخل التراب الإسباني أو أثناء المهام الخارجية.
ولا تعد مليلية وحدها مسرحا لهذه التحركات، بل تشمل هذه الاستراتيجية مدينة سبتة المحتلة أيضا، ضمن شبكة مراقبة نشطة تعمل على تعزيز الوجود العسكري في المدينتين. كما تم تعزيز استقلالية المنشآت الاستراتيجية مثل جزر “إشفارن” عبر تجهيزها بأنظمة طاقة ذاتية، لضمان جاهزية التشغيل في حال نشوب أزمة دبلوماسية أو حصار خارجي.
وتحرص القيادة العسكرية على فرض سرية صارمة حول تفاصيل هذه العمليات. فلا يكشف عن عدد الجنود المنتشرين، ولا عن طبيعة المعدات المستعملة، وهو أمر منصوص عليه في اللوائح الداخلية لوزارة الدفاع الإسبانية التي تصنف هذه المعطيات ضمن خانة “السرية الإستراتيجية”.
في ظل هذه الدينامية الخفية، تتحول مليلية المحتلة إلى ما يشبه ثكنة عسكرية صامتة، حيث يعيد الجيش الإسباني ترتيب أوراقه دفاعا عن ما يسميه “السيادة الوطنية”.