يستعد المخرج الفرنسي فرانسوا أوزون لخوض مغامرة سينمائية جديدة من خلال تحويل الرواية الشهيرة “الغريب” لألبير كامو إلى عمل سينمائي، في مشروع يحمل جرعة من التحدي الفني والفلسفي. ومن المنتظر أن يبدأ تصوير الفيلم في المغرب خلال شهر أبريل 2025، مستلهما أجواء الجزائر التي تدور فيها أحداث الرواية، مما يجعل المغرب خيارا مناسبا بفضل طبيعة مناظره المشابهة.
أوزون يضع بصمته على إرث ألبير كامو
يعد هذا المشروع محاولة جديدة لإعادة إحياء عالم “الغريب”، بعد أول اقتباس سينمائي للرواية عام 1967 على يد المخرج الإيطالي لوكينو فيسكونتي، والذي رغم أداء بطله مارشيلو ماستروياني، لم يحقق النجاح المنتظر بسبب التزامه الحرفي بالنص الأدبي. لكن هذه المرة، من المتوقع أن يقدم أوزون قراءة مختلفة تعكس رؤيته السينمائية، خاصة أنه اشتهر بتقديم شخصيات مأزومة تعيش في قطيعة مع محيطها الاجتماعي، وهو ما يتناسب تماما مع بطل الرواية، مورسو، الرجل الذي يواجه عبثية الوجود بلا اكتراث.
على الرغم من أن تفاصيل المشروع لا تزال قيد السرية، ولم يكشف بعد عن طاقم التمثيل، فإن توقيت التصوير المحدد وانطلاق المشروع في المغرب يعكسان جدية العمل واستعداده لدخول مراحل الإنتاج قريبا. ورغم عدم الإعلان عن موعد رسمي للعرض، ينتظر أن يرى الفيلم النور خلال عام 2026.
لماذا “الغريب”؟ ولماذا الآن؟
رواية “الغريب” التي نشرت عام 1942 تعتبر من أبرز أعمال الفلسفة العبثية، وتحتل مكانة بارزة في الأدب العالمي. تدور أحداثها حول مورسو، الرجل الذي يعيش بلا عواطف واضحة، ويجد نفسه متورطا في جريمة قتل عبثية تقوده إلى المحاكمة، حيث يواجه مجتمعه القاسي وغير المتسامح. بأسلوبه المباشر، يضع ألبير كامو القارئ أمام أسئلة جوهرية حول المعنى والحرية والقدر، وهي قضايا لا تزال تطرح اليوم بقوة، مما يفسر اهتمام أوزون بهذا العمل في هذا التوقيت.
يعرف أوزون بقدرته على التعمق في الأبعاد النفسية لشخصياته، فقد قدم عبر مسيرته أفلاما متنوعة ما بين الدراما الاجتماعية والميلودراما والتشويق، مثل “تحت الرمال” و”بفضل الله” و”خريف يأتي”، ما يجعله أحد المخرجين الفرنسيين الأكثر جرأة في مقاربتهم لموضوعات الفلسفة والوجود.
اختيار المغرب كموقع تصوير لهذا العمل ليس مجرد قرار إنتاجي، بل يحمل أبعادًا رمزية، فالرواية تدور أحداثها في الجزائر، والمغرب يتيح أجواء طبيعية ومعمارية قريبة من تلك التي صورها كامو في روايته، خاصة مع الصعوبة اللوجستية لتصوير الفيلم في الجزائر اليوم. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع المغرب ببنية تحتية سينمائية متطورة وقد استضاف العديد من الإنتاجات السينمائية الضخمة في السنوات الأخيرة.
هل سينجح أوزون فيما فشل فيه فيسكونتي؟
تبقى أكبر التحديات التي تواجه أوزون هي القدرة على تحويل نص روائي تأملي، قائم على الأسلوب المبسط والمونولوجات الداخلية، إلى تجربة سينمائية مفعمة بالحركة والتوتر الدرامي. فشل فيسكونتي في تحقيق ذلك بسبب التزامه المفرط بالنص، لكن أوزون، المعروف بجرأته السينمائية، قد يعيد تعريف الطريقة التي تقرأ بها “الغريب” سينمائيا، عبر زاوية رؤية أكثر حدة وابتكارا.
في انتظار كشف المزيد من تفاصيل هذا المشروع الطموح، يترقب عشاق السينما والأدب كيف سيعيد فرانسوا أوزون إحياء روح كامو في الشاشة الكبيرة، وما إذا كان سيقدم رؤية جديدة تعيد لهذه الرواية الخالدة وهجها السينمائي المفقود.