في تطور يعكس تزايد القلق داخل المؤسسة العسكرية الإسبانية، خرج أحد كبار ضباط هيئة الأركان العامة بإنذار شديد اللهجة حيال ما وصفه بسياسة “التنازلات المستمرة” التي تنتهجها حكومة مدريد تجاه المغرب. الضابط، وهو خبير في الجغرافيا العسكرية، نشر تحليلا اعتبر فيه أن هذه المقاربة لا تقوي العلاقات الثنائية، بل تفهم في الرباط كعلامة على هشاشة مؤسساتية قد تدفع المغرب إلى تكثيف ضغوطه بشأن سبتة ومليلية والجزر التابعة لإسبانيا قبالة السواحل المغربية.
التحذيرات لم تأت من فراغ، إذ تزامنت مع قرار مثير للجدل اتخذته وزيرة الدفاع مارغاريتا روبليس، يقضي بإلغاء الأنشطة الرسمية المقررة بمناسبة الذكرى المئوية لـ”إنزال الحسيمة” سنة 1925، الذي يعد من أبرز العمليات العسكرية في تاريخ الجيش الإسباني. الاحتفالات كانت ستتضمن معارض وندوات وأنشطة، غير أن الوزارة بررت الإلغاء بالرغبة في تجنب أي توتر دبلوماسي مع المغرب. هذا القرار اعتبرته أصوات عسكرية وأكاديمية “طمسا متعمدا للذاكرة التاريخية”، وخطوة تعكس خضوع السياسة الدفاعية لحسابات ظرفية.
الجدل تضاعف مع حادث آخر زاد من حدة الانتقادات، حين تمكن مؤثر مغربي من دخول جزيرة إيزابيل الثانية، التابعة لأرخبيل تشافاريناس، وتصوير مقاطع مصورة دون أن تتنبه القوات المرابطة هناك. الواقعة، التي يجري التحقيق في ملابساتها، وصفت في الأوساط العسكرية بخرق أمني خطير، فيما فسرها محللون بأنها إشارة رمزية للتشكيك في استمرار الوجود الإسباني بتلك الجزر.
اللواء الإسباني المثير للجدل شدد في تحليله على أن الدفاع عن السيادة الترابية لا يجب أن يخضع لـ”اعتبارات ظرفية أو مخاوف من إزعاج الشريك الدولي”، معتبرا أن استمرار سياسة الاسترضاء قد ينظر إليها كمؤشر ضعف يشجع على المزيد من الضغوط.
ورغم أن وزارة الدفاع لم تصدر بيانا رسميا حول هذه الملفات، فإن مصادر قريبة منها تؤكد أن أولويتها تكمن في الحفاظ على علاقة تعاون وثيقة مع المغرب ضمن إطار “الاحترام المتبادل”. غير أن أصواتا من داخل الثكنات ترى أن صمت المؤسسة الرسمية لم يعد كافيا، وأن الجيش بدأ يعبر بشكل أوضح عن رفضه لنهج الحكومة في التعامل مع الرباط.