انتشر خبر فاجعة “الماحيا المسمومة” بسرعة كالنار في الهشيم، بعد أن أودت بحياة ثمانية أشخاص وأصابت 114 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة في منطقة علال التازي ضواحي القنيطرة. هذه الحادثة المؤلمة لم تقتصر تداعياتها على المغرب فقط، بل أثارت اهتماما واسعا من قبل وسائل إعلام دولية، التي سلطت الضوء على خطورة هذه الظاهرة وعلى الأوضاع التي أدت إليها.
انتشار الخبر على الساحة الدولية
تناقلت وسائل الإعلام الدولية الخبر بسرعة، معتبرة إياه مؤشرا على أزمة أعمق تتعلق بالتحكم في تداول الكحوليات غير القانونية في المغرب.
صحيفة “لارثون” الإسبانية، المعروفة بانتشارها الواسع، أوردت الخبر مؤكدة على ضرورة فرض رقابة صارمة على أنشطة “الكرابة”، وهم البائعون غير الرسميين الذين يتاجرون في مشروب “الماحيا”. وأشارت الصحيفة إلى أن القرى المغربية تعج بمصانع سرية تستخدم لتخزين كميات كبيرة من هذا المشروب السام، مما يسهم في تفاقم المشكلة وانتشار الأضرار على نطاق واسع.
من جانبها، وكالة “إيفي” الإخبارية، نشرت تقريرا مفصلا حول الحادثة، موضحة أن استهلاك الكحول في المغرب يخضع لقيود متعددة، ليس فقط بسبب النظرة الاجتماعية السلبية تجاهه، بل أيضا نتيجة ارتفاع أسعار المشروبات الكحولية بفعل الضرائب الثقيلة المفروضة عليها. هذا الأمر، بحسب تقرير الوكالة، أدى إلى ظهور معامل تقطير غير قانونية في المناطق القروية، وتسويق سري للكحوليات القوية، ومعظمها محلية الصنع وتفتقر إلى الحد الأدنى من الضمانات الصحية، مما يضع المستهلكين في خطر دائم.
أما صحيفة “Telecinco” الإسبانية، فقد قدمت تغطية شاملة لتفاصيل الواقعة،.. مبرزة أن هذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها المغرب حوادث مشابهة. الصحيفة أشارت إلى أن الكحول المغشوشة تسببت في وفاة عشرات الأشخاص في السنوات الأخيرة،.. مما يؤكد على خطورة الظاهرة والحاجة الماسة لاتخاذ إجراءات فعالة لمواجهتها.
أسباب وتداعيات فاجعة الماحيا المسمومة
تكمن أسباب هذه الفاجعة المأساوية في السياق الاجتماعي والاقتصادي المعقد الذي يحيط بتداول الكحول في المغرب. تشدد السلطات على فرض ضرائب مرتفعة على المشروبات الكحولية القانونية،.. ما يرفع أسعارها ويجعلها بعيدة عن متناول العديد من المستهلكين، خاصة في المناطق القروية والأحياء الشعبية. في ظل هذه الظروف، يلجأ البعض إلى شراء “الماحيا”، وهي مشروب كحولي محلي غير قانوني،.. يتم تصنيعه غالبا في ظروف غير صحية وخارج أي رقابة رسمية.
يشير تقرير “لارثون” إلى أن هذه الممارسات قد زادت في القرى المغربية التي تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية والإشراف الفعال،.. حيث يعمل “الكرابة” في ظروف سرية بعيدا عن أعين السلطات،.. ما يؤدي إلى إنتاج وتوزيع كميات كبيرة من “الماحيا” التي قد تكون مميتة.
في أعقاب الحادثة، باشرت السلطات المغربية تحقيقات موسعة لتحديد المسؤولين عن إنتاج وتوزيع “الماحيا المسمومة”. تركز التحقيقات على التوصل إلى كيفية وصول هذا المشروب إلى المستهلكين،.. وما إذا كان هناك قصور في الإجراءات الرقابية أو تواطؤ من بعض الأفراد في أجهزة الرقابة المحلية.
ردود فعل ودعوات للإصلاح
أثار الحادث موجة من الدعوات إلى إصلاح القوانين والرقابة على تداول الكحول في المغرب. وقد دعا العديد من النشطاء والخبراء إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع تكرار مثل هذه الفواجع،.. بما في ذلك زيادة الوعي المجتمعي حول مخاطر استهلاك الكحول غير القانوني،.. وتوفير بدائل آمنة ومنخفضة التكلفة للمشروبات الكحولية الرسمية.
كما دعت المنظمات المعنية بحقوق المستهلك إلى تعزيز الرقابة على الأسواق السوداء.. وتعزيز التعاون بين السلطات المحلية والوطنية لضمان تطبيق القوانين بفعالية.
ووفقا لخبراء، تعكس فاجعة “الماحيا المسمومة” واقعا معقدا يتطلب تدخلا جادا من جميع الأطراف المعنية. وبينما تتواصل التحقيقات، يبقى التحدي الأكبر هو كيفية تحقيق توازن بين ضبط الأسواق وحماية المستهلكين،.. وتوفير بدائل آمنة للمنتجات المحظورة، بما يضمن سلامة المواطنين ويحول دون تكرار مثل هذه المآسي في المستقبل.