في الوقت الذي تتناسل فيه انتقادات البيضاويين حول مشاهد الأزبال التي تزاحمهم في أحيائهم وتحت نوافذ منازلهم، تستعد العاصمة الاقتصادية لإطلاق تجربة غير مسبوقة على الصعيد الوطني: “شرطة النظافة”، سلاح إداري جديد في معركة قديمة، لطالما خسر فيها المجال العام أمام فوضى القمامة وسلوك المواطن.
كما أن جماعة الدار البيضاء باشرت بشكل فعلي هيكلة فرق خاصة بشرطة النظافة، بعد أن أعطى المجلس الجماعي الضوء الأخضر خلال دورته الأخيرة، في خطوة وصفت بكونها مفصلية في تجديد آليات مراقبة المجال البيئي داخل المدينة.
من المراقبة إلى الزجر.. نقطة التحول
وليس الأمر مجرد تغيير في الشكل، بل تحول جذري في الفلسفة. فشرطة النظافة ليست مجرد فرق رقابية عابرة، بل قوة إدارية محلفة ستمنح صلاحية تحرير المخالفات وتطبيق القانون، في وجه من يصر على تحويل المدينة إلى مكب عشوائي.
نائب عمدة المدينة المكلف بالنظافة، مولاي أحمد أفيلال، أكد أن هذه الفرق ستدخل الخدمة خلال الأسابيع المقبلة، وأن رؤساء المقاطعات شرعوا بالفعل في إرسال لوائح الموظفين المرشحين للانضمام إليها، وفق معايير دقيقة، أهمها توفر المرشح على سنتين على الأقل من التكوين بعد البكالوريا، وهي خطوة تؤشر على الرغبة في منح هذه التجربة طابعا مهنيا حقيقيا.
“كازا بيئة”.. من النظافة إلى التكوين
التحضير اللوجستي لم يكن أقل أهمية. فقد أسند الإشراف على التكوين والتجهيز لشركة “كازا بيئة”،.. التي ستعد هذه الفرق لخوض مهامهم الميدانية،.. بدءا من توفير الزي الرسمي، إلى تسليم سيارات الخدمة، مرورا بتكوين قانوني وتقني قصير، يتوج بمنح الموظفين صفة “محلفين” تتيح لهم تحرير المحاضر وتوقيع المخالفات.
أفيلال كشف أن كل فرقة ستضم بين 3 إلى 6 عناصر حسب مساحة المقاطعة،.. يقودهم مراقب ميداني سيكون صلة الوصل مع باقي أجهزة المجلس،.. ما يمنح الهيكلة بعدا تنظيميا يحاكي التجارب الدولية في مجال شرطة البيئة.
بين الردع والتحسيس.. رهان السلوك الحضاري
رغم ما قد تحمله عبارة “شرطة النظافة” من صرامة،.. إلا أن الهدف الأول، بحسب نائب العمدة، ليس فقط الزجر، بل “زرع سلوك حضاري جديد داخل النسيج الحضري للدار البيضاء”،.. يقوم على احترام المجال العام والتفاعل الإيجابي مع واجب الحفاظ على البيئة.
المبادرة تحمل الكثير من الرهانات،.. وتضع المواطن والسلطة المحلية أمام اختبار مزدوج: فإما أن تنجح المدينة في فرض احترام القوانين البيئية داخل الأحياء والأسواق والفضاءات العامة،.. أو تتحول التجربة إلى رقم آخر في سجل المشاريع التي بدأت بشعارات كبيرة،.. وانتهت بصمت مدو.