بعد سنوات من الانتظار والصمت الرسمي، أعلنت الحكومة المغربية أخيرا عن تخصيص منحة مالية سنوية بقيمة 5000 درهم لأساتذة التعليم الأولي العاملين في المناطق الجبلية والقرى والمناطق النائية. إعلان جاء على لسان وزير التربية الوطنية محمد سعد برادة، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب اليوم الإثنين، في خطوة وصفت بأنها “متأخرة لكنها ضرورية” من قبل مهنيي القطاع.
الوزير أوضح أن هذه المنحة تندرج ضمن التزامات الدولة في سياق الحوار الاجتماعي الذي جرى في دجنبر الماضي مع النقابات التعليمية، مشيرا إلى أن صرفها سيتم قبل نهاية السنة الجارية. وتهدف إلى تحفيز الاستقرار المهني وتحسين ظروف العمل في أوساط تعرف هشاشة بنيوية وتضاريس جغرافية قاسية.
لكن خلف الأرقام والتصريحات، تنبعث تساؤلات حقيقية من قلب الميدان. فأساتذة التعليم الأولي في أعالي الجبال وقرى الأطلس المتوسط والجنوب الشرقي يتحدثون عن معاناة يومية لا يمكن اختزالها في مبلغ مالي سنوي، مهما كانت قيمته. المعاناة هنا ليست فقط في بعد المسافات أو قساوة المناخ، بل في غياب أدنى شروط الممارسة التربوية: حجرات مهترئة، انعدام النقل، غياب التجهيزات، وغياب الحماية الاجتماعية في كثير من الحالات.
نقابيون يرحبون بحذر
أحد الأساتذة العاملين في منطقة قروية بإقليم ورزازات قال في تصريح لـ”آنفا نيوز”: “المنحة مشجعة لكنها لا تكفي، لأن الواقع اليومي داخل الأقسام أكثر قسوة مما يتخيل. ندرس في حجرات تفتقر لأبسط الشروط التربوية، بعضها لا تتوفر على وسائل بيداغوجية كافية. هناك أقسام بلا كهرباء، وأخرى لا تصلها الطرق إلا بصعوبة، وفي فصل الشتاء تتحول إلى كهوف باردة. كيف نضمن تعليما أوليا ذا جودة في مثل هذه الظروف؟”
من جهتهم، رحب بعض النقابيين بهذه الخطوة باعتبارها اعترافا رمزيا بجهود فئة ظلت مغيبة في السياسات العمومية التعليمية، لكنهم طالبوا ببلورة رؤية أكثر عمقا تضمن إدماج هذه الفئة في ورش إصلاح التعليم بشكل منصف، خاصة أن أزيد من 84% من التغطية الوطنية في التعليم الأولي تعتمد على هؤلاء الأساتذة، بحسب ما أكده الوزير برادة.
في العمق، تمثل هذه المنحة اختبارا حقيقيا لمدى جدية الدولة في ترجمة خطاب “العدالة المجالية” إلى واقع ملموس، بعيدا عن الوعود الظرفية. فهل تكون هذه البداية لإعادة الاعتبار لفئة تقف يوميا على أطراف الخريطة الجغرافية والتربوية؟ أم أنها ستظل مجرد إجراء رمزي لا يمس جوهر الإشكال؟
الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.