تشهد فرنسا موجة من الهجرة العكسية بين المديرين التنفيذيين المسلمين، حيث يغادر العديد منهم للاستقرار في مدن مثل دبي، لندن، نيويورك، أو مونتريال. والسبب؟ التمييز المتزايد في سوق العمل والوصم المرتبط بدينهم أو أسمائهم أو أصولهم.
نحن نختنق في فرنسا
يقول فرنسي من أصل مغربي يبلغ من العمر 33 عاما لموقع “Charente Libre”: “نحن نختنق في فرنسا”. يصف هذا الموظف في قطاع التكنولوجيا كيف أنه يعاني من “الكآبة المحيطة” و”الإهانات” اليومية المتعلقة بلقبه وأصوله. ويستعد للهجرة إلى جنوب شرق آسيا مع زوجته الحامل، بحثا عن مجتمع “أكثر سلاما وحيث تعرف المجتمعات كيف نعيش معا”. يضيف قائلا: “ما زلت أسأل اليوم عما أفعله في مسكني”، حيث يعيش منذ عدة سنوات، مشيرا إلى أن هذا السؤال لم يطرح على زوجته البيضاء البشرة أبدا. يعتبر هذا الإذلال المستمر أكثر إحباطا لأنه “يقدم مساهمة صافية للمجتمع من خلال كونه جزءا من أصحاب الدخل المرتفع الذين يدفعون الثمن كاملا”.
على غرار هذا الشاب المغربي، يسعى مصرفي فرنسي جزائري، يبلغ من العمر 30 عاما، “للهروب” بسبب دينه واسمه وأصله. ويستعد للسفر إلى دبي في يونيو المقبل. يصف المصرفي المناخ المتدهور في فرنسا، قائلا: “نعتقد أننا كمسلمين يتم تمييزنا”. يشعر هذا الشاب الحاصل على درجتي الماجستير، وهو ابن عاملة نظافة جزائرية، أنه واجه “سقفا زجاجيا” في مسيرته المهنية في فرنسا.
آدم، شاب آخر من أصول شمال إفريقية، يحكي تجربته: “في فرنسا، عليك أن تبذل جهدا مضاعفا عندما تنتمي إلى أقليات معينة”. بعد فشله في 50 مقابلة عمل لوظيفة استشارية، رغم مؤهلاته وشهاداته، انتقل آدم إلى دبي حيث يعيش الآن. يقول: “أشعر بتحسن كبير هنا عما كنت عليه في فرنسا. هنا نحن جميعا متساوون. يمكن أن يكون لديك شخص هندي، أو عربي، أو فرنسي كرئيس لك”. ويضيف أن دينه “أكثر قبولا” في دبي.
الهجرة العكسية للنخب الإسلامية
في كتابهم “فرنسا تحبها، لكنك تتركها”، يستعرض كل من أوليفييه إستيفيس، أليس بيكارد،.. وجوليان تالبين ظاهرة هجرة المديرين التنفيذيين المسلمين من فرنسا بسبب التمييز والعنصرية. يؤكد الكتاب على “الاستثناء الفرنسي” الذي يتمثل في “الإحجام المؤسسي والسياسي عن الاعتراف بخصوصية الإسلاموفوبيا كشكل من أشكال العنصرية”، رغم أن فرنسا تضم أكبر مجموعة إسلامية داخل الاتحاد الأوروبي.
تسلط هذه الهجرة الضوء على فقدان فرنسا لمواهبها بسبب التمييز المتزايد. ففي حين تسعى الدول الأخرى لجذب هذه الكفاءات، تجد فرنسا نفسها تفقد أحد أهم أصولها البشرية. يبقى السؤال: هل يمكن لفرنسا أن تعيد النظر في سياساتها وتحتضن تنوعها بشكل أفضل لتوقف نزيف المواهب هذا؟