استفاقت منطقة الرحمة 1 بإقليم النواصر على مشهد غير مألوف: صف طويل من الجرافات الصفراء، المعروفة شعبيا بـ”الطراكس”، وهي تشق طريقها بثبات نحو سوق المتلاشيات وعدد من البنايات غير القانونية، في عملية هدم واسعة النطاق لم يعتدها سكان هذه المنطقة التي لطالما وصمت بـ”النقطة السوداء” للعشوائيات.
السلطات المحلية، بتنسيق دقيق مع مصالح الأمن الوطني وتحت إشراف مباشر لعامل الإقليم، أطلقت هذه الحملة لإعادة النظام إلى فضاءات عامة تحولت، بفعل الزمن والإهمال، إلى متاهات من الأكواخ العشوائية والمستودعات غير المرخصة. التحرك جاء، كما تقول السلطات، ترجمة لتوجيهات صارمة بإنهاء الفوضى واستعادة هيبة القانون في أحياء لم يعد المشهد فيها يحتمل.
لم يكن القرار مباغتا بالكامل. فقد منحت مهلة ثلاثة أيام لأصحاب المحلات والمستودعات لإخلاء أماكنهم طوعا. جرى إعلامهم بضرورة إزالة ممتلكاتهم بأنفسهم تجنبا لمخاطر الهدم العنيف. لكن خلف هذا الإنذار البارد، ترك سؤال كبير معلقا: “وماذا بعد؟”.
وسط أصوات المحركات الثقيلة، ارتفعت شكاوى صامتة من المتضررين. “رزقنا الوحيد يهدم أمام أعيننا”، قال أحدهم وهو يراقب انهيار جدران محله البسيط. شكوى تتكرر في كل زاوية من السوق، تعكس مأساة من يجدون أنفسهم فجأة بلا بديل، بلا خطة واضحة، بلا أفق.
الرحمة 1، مثل كثير من الأحياء الطرفية الكبرى، لم تعرف توسعا عمرانيا مصحوبا بتخطيط حضري رشيد. عقدان من الفوضى جعلت الأسواق العشوائية جزءا من حياة الناس. لكنها الآن تواجه قبضة الدولة التي قررت استعادة النظام، لكنها لم تهيئ الأرضية الكافية لحياة بديلة.