في تطور يثير جدلا واسعا حول شفافية تدبير المال العام، كشفت تسريبات من تقارير أنجزتها لجان تابعة للمفتشية العامة للإدارات الترابية عن تلاعبات مالية خطيرة طالت جماعات محلية ضمن نفوذ أقاليم بجهتي الدار البيضاء-سطات ومراكش-آسفي، ورطت رؤساء جماعات من خلال تمرير عدد كبير من الصفقات عبر ما وصف بـ “مناقصات صورية”.
مصادر مطلعة أوضحت أن هذه التقارير، التي أصبحت موضوع استفسارات من مكاتب عمال، أظهرت احتكار شركات مقربة من رؤساء جماعات لصفقات تجهيز وأشغال وتموين على مدى سنوات طويلة، ما أدى إلى رفع غير مبرر لتكاليف الخدمات المقدمة. عمليات التدقيق كشفت كذلك عن استغلال سندات طلب للتحايل على المساطر القانونية، مع تغطية خروقات مالية جسيمة بتواطؤ مع مقاولات محلية.
إحدى أبرز الفضائح التي رصدتها لجان التفتيش تمثلت في احتكار شركة واحدة، مرتبطة برئيس جماعة بإقليم مديونة، لجميع صفقات التجهيز والتموين على مدى عشرين سنة. التحقيقات كشفت تكرار التعامل مع نفس الممونين، والتستر على الخروقات عبر عدم تعيين لجنة فتح الأظرفة، وعدم الاحتفاظ بملفات المنافسين الآخرين، وتجاوز إعداد جداول الإنجازات والمشتريات.
كما رصدت التقارير استعمال سندات الطلب لأغراض التسوية، في خرق صريح لمقتضيات المادة 88 من المرسوم 2.12.349 الخاص بالصفقات العمومية، التي تلزم بخضوع الأعمال المنجزة بسندات الطلب لمنافسة مسبقة محددة المواصفات. المفتشون سجلوا أيضا منافسات صورية دون استشارات كتابية لثلاثة متنافسين على الأقل، وبيانات أثمان غير مرقمة أو مؤرخة.
الأخطر أن بعض سندات الطلب لم تحدد فيها الكميات أو أماكن استعمال السلع، فيما كانت المواد المقتناة غير مدونة في سجلات المخازن واستهلاكها غير مبرر. كما أظهرت التحقيقات تقاعسا في استخلاص الرسوم الجماعية، خاصة الرسم على شغل الملك العام الجماعي المرتبط بالمشاريع الكبرى.
وزارة الداخلية أنهت خلال الأشهر الماضية جردا شاملا للتلاعبات المالية والجبائية، تضمن مئات المخالفات التي اعتبرها القضاء الإداري أخطاء جسيمة أدت إلى عزل رؤساء جماعات. كما رصدت نفقات صرفت بسندات طلب دون الاستفادة من الخدمات، ما يصنف ضمن هدر المال العام وتبديده، في إخلال واضح بواجب الحفاظ على مصالح الجماعات المالية المنصوص عليه في المادة 49 من القانون التنظيمي للجماعات.
هذه التسريبات تضع المجالس الجماعية المعنية أمام مساءلة قانونية وأخلاقية، وتعزز الدعوات إلى إصلاح عميق لنظام الصفقات العمومية لضمان الشفافية ومكافحة الفساد المحلي.


