في خطوة تعد من بين أكثر الإجراءات الحاسمة في ملف التربية الرقمية، قررت وزارة التعليم الوطني في فرنسا منع الهواتف المحمولة بشكل نهائي داخل جميع مؤسسات التعليم الإعدادي، بدءا من الموسم الدراسي القادم في شتنبر 2025.
هذا القرار يأتي بعد تجربة حملت اسم “فترة راحة رقمية”، أطلقت في حوالي 180 مؤسسة تعليمية منذ بداية الموسم الحالي (2024)، وحققت نتائج مشجعة شجعت الوزارة على تعميمها على مستوى التراب الفرنسي، حسب ما جاء في مذكرة رسمية تم تداولها عبر وسائل الإعلام.
المنع لا يشمل فقط الهواتف الذكية، بل يتعدى ذلك ليطال جميع الأجهزة الإلكترونية الشخصية: من الألواح الرقمية إلى الساعات المتصلة. كما أن القرار يطال كل الأوقات داخل فضاء المؤسسة، سواء خلال الحصص الدراسية أو في الأنشطة الموازية والخرجات المنظمة.
وتشرح وزارة التعليم دوافع هذا الإجراء بكونه يستهدف الحد من تشتت انتباه التلاميذ، وتشجيع التواصل المباشر بينهم، فضلا عن الوقاية من أشكال التنمر الإلكتروني التي ارتفعت في السنوات الأخيرة. كما تسعى الوزارة إلى خلق بيئة تعليمية أكثر تركيزا وانسجاما داخل المؤسسات.
رغم الصرامة الظاهرة في هذا التوجه، إلا أن المذكرة الوزارية تركت استثناء واضحا لفئة التلاميذ الذين يعانون من إعاقات أو أمراض مزمنة، إذ سيسمح لهم باستعمال الأجهزة الطبية المتصلة، مثل تلك التي تراقب نسبة السكر في الدم لدى مرضى السكري.
“حق الانفصال الرقمي”: تعطيل الإشعارات ليلا وعطلة نهاية الأسبوع
ولم يتوقف التشدد الرقمي عند هذا الحد، حيث كشفت الوزارة عن خطوة أخرى تتعلق بالمجال الرقمي المدرسي، إذ تقرر تعطيل الإشعارات والتنبيهات الصادرة عن المنصات الإلكترونية الخاصة بالتلاميذ وأسرهم، خلال الليل وعطلة نهاية الأسبوع. وتطبق هذه الخطوة بشكل تلقائي من الساعة الثامنة مساء إلى السابعة صباحا، وكذلك من مساء الجمعة إلى صباح الاثنين، لضمان ما وصفته الوزارة بـ”حق التلاميذ وأسرهم في الانفصال الرقمي”.
وتختم الوزارة موقفها بالتأكيد على أن استعمال التكنولوجيا في التعليم لا يجب أن يتحول إلى مصدر للضغط النفسي أو التأثير السلبي على الصحة الذهنية والجسدية للأطفال، محذرة من تداعيات الإفراط في استعمال الشاشات على التركيز، التفكير النقدي، والتفاعل الاجتماعي، خاصة في صفوف الناشئة.
هذا الإجراء يعكس تحولا جذريا في الطريقة التي تنظر بها فرنسا إلى علاقة الأطفال بالتكنولوجيا، ويعيد فتح النقاش حول ما إذا كانت الرقمنة المكثفة تخدم فعلا أهداف التربية الحديثة، أم أنها بحاجة إلى ضوابط صارمة تحمي الجيل الجديد من الإفراط والإدمان.