أثارت قضية الممثلة وصانعة المحتوى، غيثة عصفور، التي جرى توقيفها بتهمة “الخيانة الزوجية”، عاصفة من الجدل لم تقتصر على جوانبها القانونية فحسب، بل امتدت لتشكل اختبارا قاسيا لأخلاق المجتمع الرقمي. فبمجرد انتشار الخبر، انطلقت حملة واسعة من التشهير والتنمر، شاركت فيها حتى بعض المنابر الإعلامية، في سباق محموم نحو استعراض التفاصيل الشخصية وتجريد المتهمة من كرامتها الإنسانية قبل أن يقول القضاء كلمته.
إن ما يحدث في فضاءات التواصل الاجتماعي هو إعدام معنوي علني، يتجاوز حدود الرأي إلى التنكيل والتحريض. فالمثير للأسف هو أن التشهير لم يأت من حسابات مجهولة فقط، بل ساهمت فيه جهات يفترض بها أن تلتزم بالمهنية والحياد. إن هذا السلوك يمثل خرقا أخلاقيا جسيما، حيث يتحول دور الإعلام من الإخبار إلى المساهمة في جريمة اجتماعية تضر بسمعة الأفراد وحياتهم.
القانون المغربي: حماية المتهم من التشهير
في مواجهة هذه الفوضى الأخلاقية، يبرز القانون المغربي كدرع يحمي الأفراد، بمن فيهم المتهمين. فمبدأ قرينة البراءة يظل الركيزة الأساسية للعدالة، حيث يعتبر كل شخص بريئا إلى أن تثبت إدانته بحكم قضائي نهائي. هذا المبدأ ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو ضمانة دستورية تمنع المجتمع من إصدار أحكامه المسبقة، وتؤكد أن مكان الحقيقة هو المحكمة وليس ساحات التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من أن القانون يجرم الأفعال المنسوبة للممثلة، فإنه يحميها في الوقت نفسه من أي تشهير أو انتهاك لخصوصيتها وسمعتها. فالقوانين المتعلقة بالتشهير والقذف موجودة لحماية الأفراد من حملات التشويه، سواء كانوا متهمين أم أبرياء. إن إقامة الدعوى القانونية هي حق للضحايا، أما نشر الصور والتفاصيل الخاصة والحكم على الأشخاص قبل المحاكمة فهو انتهاك لحقهم في الخصوصية والكرامة.
دعوة للوعي والمسؤولية
إن قضية غيثة عصفور، بصرف النظر عن ملابساتها، هي فرصة لإعادة التفكير في أخلاقياتنا الرقمية. يجب أن نتذكر دائما أن المتهم إنسان، وأن له الحق في محاكمة عادلة دون ضغوط أو تشويه لسمعته. إن العدالة لا تتحقق بالانتقام أو التشهير، بل بالالتزام بالقانون واحترام الحقوق الإنسانية.
لذا، فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع؛ من مستخدمي التواصل الاجتماعي إلى الصحفيين والإعلاميين. يجب أن يكون هدفنا هو إحالة القضايا إلى القضاء دون إخضاعها للمحاكم الشعبية. فالاحترام هو الأساس الذي تبنى عليه المجتمعات الواعية، وحماية الأفراد من التشهير هو جزء لا يتجزأ من هذه المسؤولية.