عاد ملف “جزيرة ليلى” إلى الواجهة من جديد، بعد بث مسلسل وثائقي من إنتاج منصة موفيستار بالتعاون مع جريدة إل تيرات، تناول بالتفصيل واحدة من أخطر الأزمات الدبلوماسية التي كادت أن تشعل فتيل مواجهة عسكرية مفتوحة بين المغرب وإسبانيا في صيف سنة 2002.
الوثائقي، الذي جاء على شكل ثلاث حلقات من إخراج تيان ريبا، استند إلى أكثر من أربعين شهادة، من بينها شهادات مسؤولين سابقين في المخابرات والجيش والدبلوماسية، ليكشف كيف تحولت قطعة أرض صغيرة لا تتجاوز مساحتها 0.14 كيلومتر مربع، وتبعد عن الساحل المغربي بـ200 متر فقط، إلى شرارة كادت تؤدي إلى حرب إقليمية.
من أبرز ما جاء في الوثائقي، تصريح لمدير المخابرات الإسبانية آنذاك، خورخي ديزكالار، الذي أرجع بداية الأزمة إلى “حادثة بسيطة”، حين أبحرت سفينة عسكرية إسبانية قرب يخت الملك المغربي محمد السادس، في محيط جزيرة ليلى، ما اعتبر استفزازا مباشرا. الحدث استدعى رد فعل غاضب من الرباط، وتطورت الأمور سريعا نحو التصعيد.
أثنار والحسن الثاني: حوار متوتر حول سبتة ومليلية
في استرجاع لوقائع ما قبل الأزمة، نقل عن الرئيس الإسباني الأسبق، خوصي ماريا أثنار، قوله إن آخر لقاء له مع الملك الحسن الثاني، أواخر التسعينات، كان مشحونا بالتوتر بشأن مدينتي سبتة ومليلية. وأورد أثنار أن الملك الراحل خاطبه قائلا: “لن أشن حربا على إسبانيا من أجل سبتة ومليلية”، ليرد عليه أثنار: “هذا صحيح، لأننا سنفعل كل ما في وسعنا، وأنا متأكد من أننا سننتصر.”
الوثائقي لم يكتف بسرد الوقائع، بل ألقى الضوء أيضا على صراعات النفوذ الدولي. فقد اتهم الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك بتحريض المغرب على اتخاذ مواقف متشددة، رغبة منه في ضرب التحالف الإسباني الأمريكي آنذاك. كما تضمنت إحدى الشهادات أن السفارة الأمريكية في المغرب حذرت الرباط من تحركات مريبة لإسبانيا، بعد رصد مروحية قرب الجزيرة.
ومن بين القصص غير المعروفة سابقا، يروي الوثائقي كيف تسببت الرياح القوية في انقلاب مروحية بشكل خطير أثناء العملية، وكيف أن أحد الجنود المغاربة هدد بإطلاق النار خلال لحظات التوتر القصوى.
يوثق هذا العمل السمعي البصري لحظة مفصلية في العلاقات المغربية الإسبانية، والتي تظل مرشحة للانفجار في كل مرة تتقاطع فيها المطالب التاريخية مع الحسابات الجيوسياسية. الجزيرة التي لا يسكنها أحد، كانت ولا تزال رمزا لصراع خفي بين رغبة المغرب في استعادة السيادة الكاملة، وتمسك إسبانيا بحدودها البحرية كما ترسمها من وجهة نظرها.