في خضم حملة إعلامية تقودها بعض المنابر الجزائرية خلال الأيام الأخيرة، انتشرت ادعاءات تفيد بأن المغرب مقبل على رفع أسعار غاز البوتان مطلع سنة 2026، وأن القرار – حسب تلك الروايات – ناتج عن “توقف الجزائر عن تصدير الغاز نحو المملكة أواخر دجنبر”. غير أن هذه المزاعم، وفق ما تأكدت منه جريدة “آنفا نيوز”، تفتقر لأي أساس واقعي أو اقتصادي.
فأسعار غاز البوتان في المغرب لا تخضع لتقلبات السوق، بل تحدد في إطار سياسة دعم حكومية تديرها “صندوق المقاصة”، الذي يتحمل الفارق بين كلفة الاستيراد الحقيقية وسعر البيع للمستهلك. وبالتالي، فإن أي تعديل في سعر القنينة يكون قرارا ماليا داخليا يدخل ضمن إصلاح منظومة الدعم، وليس نتيجة لأي توتر خارجي أو قرار تجاري من هذا البلد أو ذاك.
وكانت الحكومة المغربية قد أقرت سنة 2024 أول زيادة في سعر القنينة من 40 إلى 50 درهما بالنسبة لـ12 كيلوغراما، ومن 10 إلى 12,5 درهما لقنينة 3 كيلوغرامات، في إطار خطة تدريجية لإعادة توجيه الدعم نحو الأسر الفقيرة عبر التحويلات المباشرة. وقد كان مقررا أن تتبعها زيادات أخرى في 2025 و2026 للوصول إلى سعر نهائي قدره 70 درهما، غير أن الزيادة الثانية لم تنفذ إلى حدود اليوم، كما أن مشروع قانون مالية 2026 لا يتضمن أي إجراء جديد في هذا الاتجاه، مكتفيا بتخصيص غلاف مالي لصندوق المقاصة في حدود 13,8 مليار درهم.
أما بخصوص مسألة الاستيراد، فتوضح البيانات الرسمية الصادرة عن مكتب الصرف أن الجزائر لم تعد ضمن موردي المغرب منذ سنة 2023. فبعد أن كانت تمثل حوالي 19 في المائة من الواردات سنة 2021، تحولت المملكة كليا نحو أسواق أكثر استقرارا، خاصة الولايات المتحدة التي تؤمن حاليا ما يقارب 77 في المائة من واردات غاز البوتان، إضافة إلى أوروبا التي تساهم بنسبة تتراوح بين 23 و26 في المائة.
هذا التحول الاستراتيجي يؤكد أن المغرب لا يعتمد إطلاقا على الجزائر لتأمين حاجياته من الغاز، وأن الحديث عن “قطع التزويد” لا يعدو أن يكون محاولة لصرف الانتباه عن الهزيمة المذلة التي منيت بها الجزائر في مجلس الأمن الذي أصدر قرارا تاريخيا يدعم سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في إطار مخطط الحكم الذاتي. فالعوامل التي تحدد كلفة الغاز في المملكة معروفة: الأسعار الدولية، وسعر صرف الدرهم، وتكاليف النقل والتوزيع. وهي معادلة مالية لا علاقة لها بالمناوشات الإقليمية.
وبذلك، يتضح أن الخطاب الإعلامي الجزائري الذي يربط بين “قرار عقابي” وارتفاع محتمل في الأسعار بالمغرب لا يقوم على أي معطى واقعي، إذ يواصل المغرب سياسة دعم مستقرة تحمي القدرة الشرائية للمواطن، وتقطع في الوقت نفسه مع كل أشكال التبعية الطاقية لأي جهة.


