وسط صمت رسمي مطبق وهزة سياسية غير مسبوقة، طوت العدالة الجزائرية صفحة ثلاثة من الأسماء التي كانت تطمح لقيادة البلاد نحو قصر المرادية. ساعدة نغزة، سيدة الأعمال القوية ورئيسة منظمة أرباب العمل CGEA، وبلقاسم سهلي، الوزير السابق والقيادي الحزبي، وعبد الحكيم حمادي، الطبيب البيطري ومدير مختبر خاص، تلقوا صفعة قضائية مدوية: عشر سنوات سجنا نافذا بتهم ثقيلة تتعلق بالفساد السياسي.
القضية التي كشفت المستور لم تكن عابرة، بل تضع تحت المجهر بنية النظام الانتخابي الجزائري، الذي يبدو أنه لم يتعاف بعد من جراح “الحراك” ولا من أزمات الشرعية المتتالية. التهم التي وجهت للمحكومين شملت استعمال النفوذ، شراء التزكيات، واستغلال المنصب لتحقيق مكاسب انتخابية.
في قلب الفضيحة، أكثر من 50 منتخبا محليا تم استجوابهم من قبل النيابة العامة، وأقروا بتلقي مبالغ تتراوح بين 20 ألفا و30 ألف دينار جزائري مقابل تقديم تزكيات للمرشحين الثلاثة. وهي تزكيات تعد شرطا أساسيا للترشح، إذ يشترط القانون الجزائري جمع 600 توقيع من منتخبين أو 50 ألف توقيع من المواطنين موزعة على 29 ولاية على الأقل.
لكن في بلد تتشابك فيه شبكات الولاء والمصالح، تحول هذا الشرط إلى سوق سوداء للتوقيعات، شارك فيها وسطاء ومحسوبون على الأحزاب والنقابات وحتى أبناء المسؤولين، كما هو الحال مع أبناء نغزة الثلاثة، الذين نال أحدهم حكما غيابيا بثماني سنوات سجن.
70 شخصا أمام القضاء
القضية لم تقف عند الأسماء الكبيرة، فقد أصدرت المحكمة الجزائرية أحكاما بالسجن تراوحت بين خمس وثماني سنوات في حق 70 شخصا، بينهم منتخبون جماعيون، رجال أعمال، ونقابيون. في المقابل، لم يصدر أي رد فعل عن الرئاسة أو الهيئات الدستورية، ما يفتح الباب مجددا أمام أسئلة جوهرية حول شفافية العملية السياسية في الجزائر.
المتابعون للشأن الجزائري لا يرون في هذه الإدانة حدثا عابرا، بل انعكاسا لمنظومة متآكلة، لا تزال عاجزة عن إنتاج بدائل سياسية حقيقية. الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 7 شتنبر 2024، والتي قاطعها أغلب الجزائريين، كرست عبد المجيد تبون رئيسا لولاية جديدة، في غياب أي منافسة فعلية أو تعبئة شعبية حقيقية.
وبينما يمنح المحكومون العشرة أيام للطعن في الأحكام، يظل السؤال الأكبر عالقا: هل هي ضربة ضد الفساد فعلا، أم مجرد تصفية حسابات في سياق سياسي متأزم؟
الملف يطرح بإلحاح إشكالية الإطار القانوني والسياسي للترشح في الجزائر، حيث يتم التحكم المسبق في قواعد اللعبة، وتستعمل التعقيدات الإدارية والضغوط الأمنية والمالية كأدوات لفرز مسبق يخدم استمرار نفس النخبة.
فالمرشح الذي لا يملك شبكة علاقات مع المنتخبين المحليين، أو القدرة على الإنفاق بسخاء، لا مكان له على لائحة التنافس. وهو ما يحول دون انبثاق طبقة سياسية جديدة، أو ترسيخ ثقة المواطن في مؤسساته.
في النهاية، تبدو محاكمة نغزة وصحلي وحمادي مجرد حلقة جديدة في سلسلة طويلة من فضائح يتغير أبطالها لكن يبقى السيناريو نفسه. نظام يرفض الإفلات من قبضة الفساد، ويعاقب الصغار ويبقي الكبار في الظل.
وهكذا، تختزل الديمقراطية في مشهد انتخابي هش، بلا منافسة ولا أفق، وبدولة لم تنجح بعد في وضع حد لتزوير الإرادة الشعبية أو في ترسيخ ثقافة المحاسبة والشفافية.