عادت قضية اتفاقية التجارة الحرة بين المغرب وتركيا إلى واجهة الأحداث بعد إعلان وزارة الصناعة والتجارة المغربية عن مهمة تقيم مقررة الأسبوع المقبل في أنقرة، ما أثار جدلا واسعا حول احتمالية إعادة التفاوض على شروط الاتفاقية. لكن الوقائع والتصريحات الرسمية توضح أن الأمور أبعد من مجرد شائعات أو محاولات تعديل الاتفاق.
فقد أكدت مصادر من وزارة الصناعة والتجارة، عبر تصريحات ليوسف الزهوي، مدير العلاقات التجارية، أن المهمة المرتقبة ليست سوى إجراء روتيني ضمن التقييم الدوري للاتفاقيات الثنائية، وليس خطوة نحو إعادة صياغة بنود الاتفاقية بسبب العجز التجاري. وأشار الزهوي إلى أن الهدف من اللقاء هو مناقشة المعطيات التجارية واستعراض سبل تعزيز التعاون وتحسين التوازن في المبادلات.
من جهة أخرى، تكشف الأرقام الرسمية أن حجم التبادل التجاري بين المغرب وتركيا بلغ سنة 2024 ما يقرب من 51 مليار درهم، منها واردات مغربية بقيمة 39 مليار درهم مقابل صادرات نحو 11.6 مليار درهم، ما يترجم إلى عجز تجاري صافي يفوق 27 مليار درهم، بمعدل تغطية لا يتجاوز 30 في المائة. هذه الأرقام لا تغيب عن المسؤولين، لكنها تأتي ضمن سياق أوسع من العلاقات التجارية متعددة الأطراف التي يسعى المغرب إلى تعزيزها.
من يقف وراء العجز التجاري المغربي مع تركيا؟ حقيقة دور “بيم” في الأزمة
وتعليقا على اتهامات بعض الجهات للسلسلة التجارية التركية “بيم” بأنها السبب الأساسي في هذا العجز،.. قال الزهوي إن تحميل هذه الشركة مسؤولية الأزمة هو تبسيط مخل،.. معتبرا أن هناك عوامل أوسع تتجاوز فقط أنشطة هذه العلامة التجارية،.. مشيرا إلى أن “بيم” تسعى لتعزيز التوريد المحلي، حيث باتت نسبة كبيرة من منتجاتها من المصدر المغربي.
وتؤكد الوزارة أن العجز التجاري لا يمكن إلقاء اللوم فيه فقط على اتفاقيات التجارة الحرة،.. إذ أن 40 في المائة منه لا علاقة له بتلك الاتفاقيات،.. بل إن هذه الاتفاقيات ساعدت في استقطاب استثمارات دولية مهمة أسهمت في تنمية الاقتصاد الوطني وخلق فرص الشغل.
ويشدد المسؤول التجاري على أهمية النظر إلى اتفاقيات التجارة الحرة في إطار أوسع يشمل البعد الإقليمي والدولي،.. إذ أن المغرب يتوفر على قاعدة استهلاكية تقارب 40 مليون نسمة،.. ويتصل بسوق أوسع من أكثر من 2.3 مليار مستهلك عبر اتفاقيات متعددة الأطراف،.. مما يجعلها نقطة جذب للمستثمرين الذين يهدفون إلى التصدير والإنتاج،.. وهو ما يعكس أبعادا تتجاوز مجرد الميزان التجاري الثنائي.
في الختام، تبقى مهمة التقييم المقبلة في أنقرة خطوة طبيعية ضمن استراتيجية شاملة لإدارة علاقات المغرب التجارية الخارجية،.. بعيدا عن أي قراءة متسرعة أو محاولة ربطها بحلول أو تعديل جذري،.. خصوصا في ظل نهج يركز على تحسين آليات التعاون وتعزيز التوازنات الاقتصادية بشكل مدروس ومتدرج.