تشهد العلاقات بين الجزائر وفرنسا توترا متزايدا بعد اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمغربية الصحراء، وهو القرار الذي أثار غضب الجزائر وتهديداتها بالانتقام. وعلى الرغم من هذه التصريحات القوية من الجزائر، إلا أن تحليل الوضع يشير إلى أن أي إجراءات انتقامية قد تكون لها تداعيات سلبية أكبر على الجزائر نفسها، وليس على فرنسا.
أولا، من الصعب أن تتخذ الجزائر خطوات تؤثر سلبا على مصالحها الاقتصادية، مثل تعليق العلاقات الجوية والبحرية مع فرنسا. هذا الإجراء من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على الجالية الجزائرية في فرنسا، التي تشكل شريانا حيويًا للاقتصاد الجزائري من خلال تحويلاتهم المالية اليومية.
الجزائر وفرنسا: تأثير ورقة النفاط والغاز
ثانيا، فيما يتعلق بالغاز الجزائري، الذي لا يمثل سوى 8% من الاستهلاك الفرنسي، من غير المرجح أن يكون هذا المورد أداة فعالة للضغط على فرنسا أو الاتحاد الأوروبي. تصدر الجزائر حوالي 34.9 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى السوق الأوروبية سنويا، في حين أن استهلاك الاتحاد الأوروبي يبلغ نحو 520 مليار متر مكعب سنويا. وهذا يجعل الغاز الجزائري محدود التأثير إذا ما حاولت الجزائر استخدامه كورقة ضغط.
كما أن التصريحات حول الاكتشافات الغازية الجديدة في الجزائر،.. التي قد تزيد من إنتاج الغاز إلى 200 مليار متر مكعب على المدى المتوسط، لن تغير كثيرا من المعادلة. بالنظر إلى الاستهلاك المحلي الكبير للجزائر، فإن ما يمكن تصديره يبقى محدودا ولن يصل إلى مستوى يجعل منه سلاحا فعالا في العلاقات مع فرنسا.
ثالثا، النفط الجزائري يمثل حوالي 9% فقط من استهلاك فرنسا، ومع وفرة النفط في السوق الدولية،.. فإن هذا المورد أيضا لا يمكن أن يكون وسيلة فعالة للانتقام من باريس. على العكس من ذلك، يمكن لفرنسا بسهولة تعويض هذا النقص من مصادر أخرى.
أما بالنسبة للعلاقات التجارية بين البلدين، والتي تبلغ حوالي 12 مليار أورو سنويا،.. فهي أيضا لا تشكل نسبة كبيرة من إجمالي التجارة الخارجية الفرنسية، التي تتجاوز 770 مليار أورو. وبالتالي، فإن أي محاولات للانتقام عبر هذه القناة ستكون ذات تأثير محدود.
باريس قادرة على الإضرار بالجزائر
في المقابل، إذا ما قررت فرنسا الرد على التهديدات الجزائرية، فإنها تمتلك عدة أوراق ضغط يمكن أن تكون أكثر فاعلية. من بين هذه الأوراق، تشديد إجراءات السفر على الجزائريين الراغبين في القدوم إلى فرنسا،.. خصوصا لأغراض العلاج، وفرض رسوم على التحويلات المالية التي يرسلها الجزائريون المقيمون في فرنسا إلى وطنهم.
كما أن الاستثمار الأجنبي المباشر الفرنسي في الجزائر، الذي يبلغ نحو 2.4 مليار أورو،.. يشكل جزءا مهما من الاقتصاد الجزائري خارج قطاع المحروقات، ويستهدف بالأساس تنويع الاقتصاد الجزائري. أي تراجع في هذا الاستثمار قد يضر بجهود الجزائر في تعزيز قطاعاتها الاقتصادية غير النفطية.
في نهاية المطاف، يبدو أن أي تصعيد من جانب الجزائر في علاقتها مع فرنسا قد ينقلب عليها بالسلب،.. مما يجعل من تهديدات الانتقام مجرد تصريحات سياسية قد لا تتجسد على أرض الواقع.