بعيدا عن الواقعية وبأسلوب أقرب إلى أفلام التجسس الركيكة، اجتهدت قنوات جزائرية محسوبة على الإعلام الرسمي في تقديم مقطع فيديو عادي كدليل دامغ على ما وصفته بـ”نشر المغرب لآلاف المخبرين” لمراقبة المواطنين خلال عيد الأضحى.
يونس الرشيدي، الحرفي المغربي البسيط المتخصص في الزليج، لم يكن يتخيل أن دعابته المعتادة مع صديقه ستصبح خبرا رئيسيا في نشرات معادية، تنسج حولها خيوط وهمية لعمليات تجسس وتبليغ. فقد ظهر الرشيدي في فيديو ترفيهي، وهو يسير بزقاق في حي الرحمة بمدينة الدار البيضاء، بينما يصوره صديقه من نافذة المنزل. فيديو بسيط حرف عن سياقه وتم اجتزاؤه، ليقدم على أنه جزء من خطة استخباراتية مغربية ترمي إلى تعقب المخالفين لتوجيهات ملكية حول الأضحية.
من زقاق فكاهي إلى بروباغندا عسكرية.. الإعلام الجزائري يختلق “جيشا من المخبرين”
وما أثار الاستغراب أكثر، أن قناة جزائرية وصفت بأنها دولية، اختارت توظيف الفيديو في تقرير يدعي وجود “عشرات الآلاف من المخبرين المغاربة” يجوبون الشوارع لرصد من يذبح خارج القوانين، في سيناريو عبثي لا يملك أي سند واقعي أو منطقي.
الرشيدي نفسه تحدث في تصريح صحفي، مؤكدا أن الفيديو لا علاقة له لا بأعوان السلطة ولا بأي مهمة رقابية، بل إنه مجرد مقطع فكاهي مثل كثير من اللقطات التي تعود على تبادلها مع صديقه في إطار المزاح العابر. وأضاف أن الفكرة كانت ساخرة، حيث طلب من صديقه أن يصوره وهو “يراقب البيوت بحثا عن رائحة الشواء”، لكن بشكل فكاهي ومقصود منه الترفيه.
المثير أن عددا من المنصات الجزائرية وحتى بعض المواقع الموالية للبوليساريو استغلت المقطع لتقديمه في سياقات دعائية لا تمت للحقيقة بصلة. أما الصدمة الكبرى، فكانت حين بدأ البعض يروج أن الرشيدي مخبر أو عون سلطة، في سيناريوهات فاق خيالها أي فيلم سياسي رديء.
الرشيدي، الذي لا يملك تأثيرا على فيسبوك ولا يعتبر نفسه صانع محتوى، عبر عن اندهاشه من حجم التفاعل غير المتوقع مع فيديو لا يتجاوز بضع ثوان، مؤكدا أن بعض المغاربة ساهموا، بحسن نية وبإضافة جرعة من الفكاهة، في نشره على نطاق واسع، مما جعله مادة جاهزة للمتربصين.
هذه الحكاية، بكل ما تحمله من عبثية، تفضح مرة أخرى كيف توظف الآلة الإعلامية المرتبطة بنظام العسكر الجزائري أي مشهد عابر، لتحويله إلى أداة تخدم دعاية مغرضة ضد المغرب. وهو ما يعكس هوسا مرضيا بكل ما هو مغربي، حتى ولو كان مجرد نكتة على هامش عيد الأضحى.
قصة يونس ليست مجرد مثال على التضليل، بل جرس إنذار لكل من يصنع محتوى عفويا، في زمن أصبح فيه كل شيء قابلا للاجتزاء والتحريف، تحت أعين خصوم لا يتوقفون عن البحث في الهوامش لنسج الأوهام.