اختفى الزحام، توقفت الأبواق، وانخفضت الحركة إلى أدنى مستوياتها.. هذا ما عاشته مدينة الدار البيضاء عشية عيد الأضحى، حيث بدت وكأنها مدينة هجرتها الحياة، رغم أن هذا العام لم يشهد طقوس الذبح المعهودة بسبب القرار الرسمي بإلغاء الأضحية لأسباب اقتصادية وصحية.
منذ يومين، أخذت المدينة منحى هادئا غير معتاد. الشوارع الرئيسية أصبحت شبه فارغة، وحتى الأحياء الشعبية التي تعرف عادة صخبا غير مسبوق في هذا الوقت من السنة، خيم عليها السكون. أغلب المحلات التجارية أقفلت أبوابها، والمقاهي أغلقت مبكرا، بينما لم يعد يُسمع سوى صدى الخطى القليلة لمن تبقوا في المدينة.
رغم غياب الأضاحي هذه السنة، لم يتغير سلوك سكان المدن الكبرى. الآلاف شدوا الرحال نحو دواويرهم الأصلية ومناطقهم العائلية. العيد عند المغاربة لا يُختزل في الذبح فقط، بل يرتبط باللمة العائلية، والحنين للجذور، والعودة المؤقتة إلى الأرض التي نشأوا فيها.
وسائل النقل عرفت اكتظاظا كبيرا في الأيام الأخيرة، رغم أن طقس الذبح لم يكن ضمن البرنامج. محطات الحافلات وسيارات الأجرة الكبيرة عرفت توافدا غير مسبوق، وكل من تحدثنا إليهم أكدوا أن العيد لا يعاش في المدينة، بل في أحضان الأسرة، حيث طقوس الشاي والكسكس ولمة الأقارب.
العيد بدون أضحية.. لكنه ليس بلا روح
القرار الحكومي الذي علق شعيرة الذبح هذا العام لأسباب طارئة لم يمنع المغاربة من التمسك بجوهر المناسبة. الأحاديث العائلية، تبادل التهاني، إعداد الأطباق التقليدية، ومجالس الضحك والحنين.. كلها طقوس استمرت بنفس الشغف. البعض اكتفى بتوزيع الحلويات والشاي، فيما عمد آخرون إلى إعداد وجبات بسيطة تعيد جو العيد ولو من دون لحم.
الدار البيضاء، ومثلها مدن كبرى كالرباط وفاس ومراكش، عاشت هذه الأيام على إيقاع الانسحاب الهادئ. الناس لم يبحثوا عن خروف، بل عن دفء. وهذا يعكس بشكل عميق كيف يتحرك المجتمع المغربي بإرادة داخلية تنبع من تقاليد راسخة، أكثر مما تحكمه الشعائر الظرفية.
في النهاية، يمكن القول إن عيد الأضحى في نسخته “الاستثنائية” هذا العام كشف عن حقيقة الهوية المغربية: مجتمع لا يتوقف عن البحث عن الروابط الإنسانية، حتى وإن تغيّرت الطقوس.