عرف القطاع الصحي في المغرب خلال الأسابيع الأخيرة موجة غضب غير مسبوقة، بعد تسجيل وفيات مأساوية لعدد من النساء الحوامل في مستشفيات من قبيل أكادير وزاكورة، ما أعاد إلى الواجهة النقاش حول واقع المنظومة الصحية وحدود الإصلاحات الحكومية.
الدكتور عبد الوهاب التدموري، المنسق العام لمنتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب، وصف ما يجري بأنه تجل لـ”إفلاس شامل” يتجاوز قطاع الصحة ليعكس أعطابا بنيوية عميقة تمس مختلف مناحي التدبير العمومي، معتبرا أن الفساد أضحى سمة هيكلية تنخر بها المنظومة.
في تحليله، حدد التدموري ثلاثية فساد تنهك الخدمة الصحية: الرشوة التي تحولت إلى “عملة متداولة” داخل المستشفيات، والبيروقراطية القاتلة التي تجعل إصلاح جهاز حيوي كسكانير يتطلب شهورا بسبب تعقيدات إدارية، إضافة إلى لوبيات تستفيد من أعطاب الأجهزة عبر دفع المرضى قسرا إلى المصحات الخاصة، وهي ملفات فتحت بشأنها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحقيقات في مدن عدة.
أما وفيات الحوامل، فقد أرجعها التدموري إلى غياب المسؤولية الطبية والخصاص الحاد في الأطر المتخصصة، مشيرا إلى تجربته كمسؤول سابق بقسم التوليد في العرائش حيث تمكن من تجنب الوفيات رغم محدودية الوسائل. وأوضح أن عمليات النقل بين المستشفيات (“الطرونسفير”) كثيرا ما تنتهي بفواجع، ما يعكس خطورة هذا الخصاص.
ولإبراز حجم الهوة، كشف أن المغرب لا يتجاوز فيه معدل الأطباء 4 لكل 10 آلاف نسمة مقابل توصية منظمة الصحة العالمية بـ 15، فيما لا يتعدى معدل الممرضين والقابلات 13 لكل 10 آلاف نسمة مقارنة بـ 60 الموصى به دوليا.
وفي ختام مداخلته، حذر التدموري من مشروع المجموعات الصحية الترابية (G.S.T)، معتبرا أنه قد يحول المستشفيات إلى “مقاولات” مالية مستقلة تفقد بعدها الاجتماعي، بل لمح إلى فرضية أن بعض الاحتجاجات قد تكون موظفة لتسريع تنزيل هذا المخطط، ما يعني تخلي الدولة تدريجيا عن القطاع العمومي.