داخل قاعة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، لم يكن المشهد عاديا. سعيد الناصري، الرئيس السابق لنادي الوداد الرياضي، الذي اعتاد أضواء الكاميرات وصفير الجماهير، وقف هذه المرة تحت أعين القضاة وهيئة الدفاع، يدافع لا عن ألوان فريقه، بل عن اسمه وتاريخه، في قضية عقارية تحوّلت إلى لغز قضائي تتقاطع فيه السياسة بالرياضة وتفوح منه رائحة المال… وربما أكثر.
فيلا قديمة بحي كاليفورنيا الراقي، لا تملك من فخامتها شيئا إلا موقعها، لكنها صارت اليوم بيت القصيد في رواية تتشابك فيها الأسماء والصفقات والتواريخ. الناصري لم ينكر يوما ملكيته للعقار، بل روى للقاضي بتفصيل يكاد يشبه شهادة شاهد على التاريخ، أن اقتناء الفيلا تم في 2017، عبر شركة مدنية عقارية أسسها بمعية نجله، واختار لها اسم “برادو”.
القيمة: 1.65 مليار سنتيم. الدفعة الأولى: 650 مليون نقدا. والباقي؟ خمسة شيكات بمائتي مليون سنتيم للواحد. كل شيء كان يسير، حسب رواية الناصري، نحو توقيع العقد النهائي في 2019. بين هذه السنوات، تأخر وتذبذب في الأداء، ومفاوضات ظلت معلقة على سيولة لم تتوفر إلا لاحقاً.
قد لا يكون مركب بنجلون معتادا على احتضان الصفقات العقارية، لكن بحسب الناصري، فإن المبلغ الكامل سلمه هناك، في حضور البائع. رواية تحاول رسم صورة صفقة “نظيفة”، لكن النيابة العامة ترى في تفاصيلها ما يستحق التوقف والتدقيق، خاصة بعد ربط خيوط الملف باسم ثقيل: “إسكوبار الصحراء”، تاجر المخدرات الدولي.
سعيد الناصري “لا أعرفه.. وكل شيء مزور”
ببدلة رياضية، وعلى غير عادة السياسيين والرياضيين حين يمثلون أمام المحكمة، جاء الناصري ليقول كلمته. ينفي أي صلة له بالمتهم المالي في الملف، ويصف الوثائق التي تربطه به بأنها “مزورة”. بل ذهب أبعد، مطالباً بفتح تحقيق بشأن “التزوير” الذي طال ملفات الماء والكهرباء وحتى العقود.
في لحظة بدا فيها وكأن كل شيء قد قيل،.. فجر الناصري مفاجأة: الفيلا كانت ستباع للرئيس السابق للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، أحمد أحمد. يقول إنه ساعده قانونيا، لأنه أجنبي وكان يخطط للاستقرار في المغرب. وكالة موثقة وقعت بتاريخ 29 ماي 2019، دليل جديد يحمله دفاع الناصري كحجة ضد اتهامات التلاعب.
حين جلس بلقاسم مير، البرلماني السابق والمالك الأصلي للفيلا، في قاعة المحكمة، لم يقدم صورة مغايرة كثيرا. بل أكد أنه منح تفويضا لشركة “برادو” للربط بالماء والكهرباء، ما يضفي ثقلا على رواية الناصري. وثيقة رسمية من شركة الماء والكهرباء عززت الطرح ذاته: بين 2014 و2017، الفيلا لم تكن مرتبطة بأي اسم مالي.
القضية مفتوحة. التحقيقات مستمرة. والفيلا التي كانت يوما “مشروع استقرار” لأجنبي، تحولت إلى عاصفة تلاحق رئيسا سابقا، وتضعه وجها لوجه مع قوس العدالة.