في سياق بات يتجاوز مجرد “هجمات عابرة”، يجد المغرب نفسه هذه الأيام في قلب موجة عدوان سيبراني غير مسبوقة، تستهدف بشكل مباشر مفاصله الاقتصادية والإدارية الحيوية. فقد كشف تقرير حديث صادر عن شركة HackManac المتخصصة في رصد التهديدات السيبرانية، أن المملكة المغربية جاءت في المرتبة الثالثة عالميا من حيث عدد الهجمات الإلكترونية خلال الأسبوع الممتد من 4 إلى 10 يونيو الجاري، وذلك بـ 27 هجوما إلكترونيا، بعد كل من إيطاليا (44) والولايات المتحدة (43).
مؤسسات مستهدفة بعناية.. والرسالة واضحة
الجهات التي طالتها الهجمات ليست عشوائية، بل تحمل بعدا استراتيجيا دقيقا. فقد شملت القائمة مؤسسات مالية كبرى مثل التجاري وفا بنك، CIH، القرض الفلاحي، أمنية بنك، وCDG Capital، بالإضافة إلى مؤسسات طاقية محورية منها طاقة المغرب، الوكالة المغربية للنجاعة الطاقية، المكتب الوطني للماء والكهرباء، الشراكة الطاقية المغربية الألمانية (باريما)، فضلا عن المكتب الوطني للسكك الحديدية، والمطارات، والهيدروكاربورات.

هذا التنوع في الاستهداف يعكس محاولة شل البنية التحتية الاقتصادية للمغرب، سواء عبر ضرب الثقة في القطاع البنكي، أو عرقلة المرافق الخدماتية الحيوية، أو تعطيل بوابات الاستثمار والتنمية المستدامة.
تجاوزت أهداف هذه الحرب الرقمية الجانب التقني، لتبلغ مرحلة التأثير النفسي والمؤسساتي. فقد طالت الهجمات مؤسسات سيادية مثل وزارة الخارجية، وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، منصة تجنيد القوات المسلحة، الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية “نارسا”، ومديرية الضرائب. كما لم تسلم مؤسسات تعنى بالخدمات الاجتماعية مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ولا حتى جماعة الدار البيضاء والمجلس الجهوي للسياحة.
الجزائر في الواجهة.. والقرصنة تتحول إلى عقيدة إعلامية
اللافت في هذا السياق هو أن بعض هذه الهجمات لم تمر في صمت،.. بل تبنتها جهات جزائرية بشكل شبه رسمي، من خلال تغطية إعلامية موجهة تتفاخر باختراق المؤسسات المغربية،.. بل وتروج له كـ”نصر سيبراني”. وتعرف الجهة المسؤولة عن هذه الهجمات باسم Keymous+،.. وهو اسم لم يعد مجهولا في تقارير أمنية متعددة، مما يعكس وجود شبكة منظمة ومدعومة تتقن العمل التخريبي الرقمي.
ما يجري لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي المتوتر، فالحرب اليوم لم تعد تقليدية، بل أضحت رقمية،.. تستهدف الرموز الاقتصادية والمالية والإدارية. والمغرب، بقوته الجيوسياسية وتموقعه الاستراتيجي،.. يبدو هدفا مباشرا لهذه “الضربات الإلكترونية الموجهة”، التي تسعى إلى زعزعة الثقة في مؤسساته،.. وتعطيل مسار التنمية، خصوصا مع الدينامية المتصاعدة التي يشهدها على مستوى الاستثمارات والبنية الرقمية.