في إنجاز طبي غير مسبوق بالمغرب، تمكن فريق طبي متخصص في طب الإنجاب من تحقيق حمل ناجح لامرأة مغربية بعد زرع جنين ظل مجمدا لأزيد من ستة عشر عاما. هذا الحدث الاستثنائي، الذي أشرف عليه البروفيسور عمر الصفروي، رئيس الجمعية المغربية لطب الإنجاب وطب الجنين، يفتح آفاقا واسعة أمام الأزواج الذين يواجهون صعوبات في الإنجاب.
القصة تعود إلى سنة 2009، حين خضع زوجان لفحص التلقيح الاصطناعي بسبب عقم ذكوري، نتج عنه ولادة طفل، فيما جرى الاحتفاظ بعدة أجنة فائضة بتقنية “التزجيج”. بعد سنوات، وفي محاولة جديدة سنة 2013، لم تكلل التجربة بالنجاح بعد حدوث حمل خارج الرحم. لتعود الزوجة، المقيمة حاليا في إيطاليا، سنة 2025 إلى المغرب، حيث جرى استخدام جنينين مجمدين منذ 2009، ما أسفر عن حمل ناجح طال انتظاره.
ويؤكد البروفيسور الصفروي أن هذه أول مرة في المغرب يتم فيها تسجيل حمل ناجح بعد فترة تجميد تتجاوز 16 عاما، وهو ما يعد سابقة حتى على المستوى الدولي. ويوضح قائلا: “لقد أثبتنا أن تقنية التزجيج آمنة وفعالة حتى بعد سنوات طويلة، وهو ما يمنح أملا جديدا للأزواج الذين يواجهون مشاكل عقم معقدة.”
رغم أن تجميد الأجنة أصبح ممارسة شائعة في عمليات التلقيح الاصطناعي عبر العالم، إلا أن طول مدة التجميد يجعل فرص النجاح ضئيلة عادة. لكن نجاح هذه التجربة شكل برهانا على جودة العمل والمراقبة الصارمة التي يتم اتباعها في المراكز المغربية.
من جانبه، شدد الصفروي على أن المخاطر الطبية المرتبطة بهذه التقنية تبقى مماثلة تماما لأي حمل طبيعي، بغض النظر عن مدة التجميد، نافيا وجود أي تهديد إضافي للأم أو للجنين.
لكن الإنجاز العلمي، رغم أهميته البالغة، يسلط الضوء أيضا على الجانب الاجتماعي لهذه القضية. إذ يقدر عدد الأزواج الذين يعانون من العقم بالمغرب بنحو 2,2 مليون، غير أن التكفل العلاجي بهم يظل محدودا بسبب غياب دعم فعلي من الدولة أو من أنظمة التأمين الصحي. وهو ما يجعل من قصص النجاح الفردية استثناء لا يعكس واقع مئات الآلاف من الأسر.
ولفت الصفروي إلى أن المغرب راكم خبرة معتبرة في هذا المجال، حيث نظمت “العيادة الإفريقية للخصوبة” مؤتمرات عالمية ونشرت أبحاثا رائدة، مما منح الطب المغربي مكانة متقدمة في مجال التلقيح الاصطناعي. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر هو ضمان وصول هذه العلاجات إلى شريحة أوسع من المواطنين الذين يجدون أنفسهم في مواجهة عزلة اجتماعية ونفسية قاسية.
هذا النجاح يضع المغرب في دائرة الضوء الطبية، ويؤكد أن التقدم العلمي يمكن أن يتحول إلى نافذة أمل حقيقية، لكنه في الوقت نفسه يطرح أسئلة ملحة حول العدالة في ولوج العلاج، وضرورة جعل الحق في الإنجاب جزءا من السياسات الصحية العمومية.