تحول حيوان نادر إلى نجم مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما تسبب في واقعة مثيرة على الحدود المصرية الإسرائيلية، جاعلا من نفسه محور نقاشات أمنية، علمية، وتاريخية، وحتى أسطورية. الأمر يتعلق بـ”الوشق المصري”، الذي هاجم جنودا إسرائيليين في منطقة جبل حريف، فأربك حسابات الجيش وحرك خيال المتابعين من الجانبين.
القصة بدأت حين أعلنت القناة الثانية الإسرائيلية، قبل يومين، عن تعرض جنود في دورية حدودية لهجوم من طرف حيوان بري مجهول. وبعد تحريات ميدانية، اكتشف مفتشو المحميات الطبيعية أن الجاني ليس سوى “الوشق المصري”، الذي تم تخديره ونقله إلى مستشفى الحياة البرية، بعد أن أصاب بعض الجنود بعضات وصفت بـ”الخطيرة والمباغتة”.
لكن الحدث سرعان ما تجاوز حدود الواقعة الأمنية، ليفتح أبوابا على ماضي هذا الحيوان الغامض. فمن جهة، اندهش الإسرائيليون من وجود هذا المفترس على الحدود، وبدأت الأسئلة عن كيف تسلل، وهل كان مهاجما عرضيا أم مقاتلا حقيقيا؟ ومن جهة أخرى، تحول في مصر إلى مادة رمزية استحضرت فيها الذاكرة الشعبية تاريخه الطويل مع الحضارة الفرعونية.
الوشق.. وحش نبيل في ذاكرة الفراعنة
في الحضارة المصرية القديمة، لم يكن “الوشق” مجرد حيوان مفترس، بل كان حارسا للمقابر، ومحاربا رمزيا للأفاعي وقوى الفوضى، كما تشير النقوش الفرعونية، وفق ما أكده الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار المصرية. ففي تلك النقوش، يظهر الوشق وهو يقطع رأس الظلام عند شجرة الإيشد، كرمز للحياة والخلود.
ويضيف شاكر أن الوشق كان تجسيدا للمعبود “رع” في إحدى صوره، لا سيما في الصراع الكوني بين النور والظلام، المعروف في الأساطير المصرية القديمة. وتبعا لهذا الترميز، كانت القطط عامة، والوشق خصوصا، تحظى بتقديس استثنائي، إذ كانت تعتبر كائنات قادرة على الرؤية الليلية، ما جعلها رمزا للمعرفة والقوة في مواجهة المجهول.
من الناحية البيولوجية، ينتمي الوشق المصري إلى فصيلة السنوريات، ويتميز بسرعة تصل إلى 80 كيلومترا في الساعة، مع مهارة عالية في الصيد، ويفضل العيش في المناطق الجافة والصحراوية. غذاؤه الرئيسي هو الأرانب والقوارض، لكنه قادر على صيد الظباء متى اقتضى الأمر.
ويعرف هذا الحيوان بسلوك انعزالي شديد، إذ لا يفضل التعايش في مجموعات، ويحرص على فرض سيطرته على محيطه الطبيعي. وهو ما يجعل حادثة الهجوم الأخيرة مثيرة للاهتمام، فهل شعر هذا الوشق بالخطر؟ أم أن الطبيعة وحدها هي من دفعته للرد بهجوم مفاجئ؟
بين الحدود السياسية والرمزية، لعب “الوشق المصري” دورا غير متوقع. ففي لحظة واحدة، تحول من حيوان نادر إلى محارب مقدس، ومن كائن بري إلى بطل أسطوري على صفحات التاريخ. وهو ما يؤكد أن بعض الكائنات لا تنتمي فقط للطبيعة، بل للسرديات العميقة التي تكتبها الشعوب عن القوة، البقاء، والخلود.