رغم التطور التشريعي الذي عرفه المغرب خلال العقد الأخير في ما يخص تعزيز الحقوق والحريات، ما زال الفضاء الرقمي يكشف عن ثغرات قانونية خطيرة تهدد خصوصية الأفراد وكرامتهم. آخر هذه القضايا تفجرت مع تعرض نائبتين برلمانيتين، عزيزة بوجريدة عن حزب الحركة الشعبية بمراكش، ولبنى الصغيري عن حزب التقدم والاشتراكية بالدار البيضاء، لحملة تشهير منظمة على منصات التواصل ومواقع التعارف.
القضية، التي استأثرت باهتمام الرأي العام، دخلت مرحلة التحقيق تحت إشراف الشرطة القضائية بكل من الدار البيضاء ومراكش. فقد استمعت الضابطة القضائية إلى الضحيتين بعد أن فوجئتا بنشر صورهما على منصات للتعارف تحت هويات وهمية؛ الأولى قدمت على أنها سيدة أعمال أمريكية تبحث عن الزواج، والثانية ظهرت باسم مستعار “أم خديجة” بغرض الإيقاع بالباحثين عن شريك حياة.
المشتكيتان عبرتا عن تشبثهما بمتابعة كل من يقف وراء هذا الفعل الجرمي، في وقت لم تتمكن فيه الفرقة السيبرانية بعد من تحديد هوية المتورطين، رغم انطلاق التحريات التقنية منذ نهاية الأسبوع الماضي.
الواقعة لم تمر بصمت، إذ سارعت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة إلى التنديد بما وصفته بـ”جريمة رقمية” تستهدف النساء في الفضاء الافتراضي، مؤكدة أن مثل هذه السلوكات تضرب في العمق التجربة الديمقراطية التي يحاول المغرب ترسيخها منذ دستور 2011.
الجمعية شددت على أن استمرار حملات التشهير والتنمر الرقمي يفضح التأخر التشريعي في مجال الحماية الرقمية،.. وطالبت بسن قانون خاص لمناهضة العنف الرقمي،.. يضمن حماية النساء والفتيات على وجه الخصوص، ويعزز حقوقهن في فضاء آمن ينسجم مع قيم الحرية والكرامة.
هذا الملف يضع مجددا تحديا أمام الفاعلين السياسيين، خاصة أن الأمر لا يهم فقط سمعة برلمانيات،.. بل يطال مئات النساء المغربيات اللواتي يجدن أنفسهن ضحايا لمطاردة رقمية ممنهجة. في النهاية، يطرح السؤال نفسه: هل يستوعب المشرع أن العنف الرقمي لم يعد قضية هامشية بل خطرا ديمقراطيا وأمنيا يقتضي تدخلا عاجلا؟