في خضم ما تعانيه القرى المغربية من عطش الأرض وضيق العيش، جاءت كلمة النائب البرلماني محمد هيشامي لتضع إصبعها على جرح غائر في جسد البادية، جرح اسمه “الحلوف” الذي لم يعد يخاف حدود الغابة، فمع توالي سنوات الجفاف وتراجع المراعي الطبيعية، صار الخنزير البري يجوب القرى، يقتحم الحقول، ويمزق المغروسات التي تعب الفلاح شهورا في رعايتها.
هيشامي، عضو الفريق الحركي بمجلس النواب، استغل مداخلته في لجنة القطاعات الإنتاجية يوم الثلاثاء، ليوجه نداء صريحا إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أحمد البواري، مطالبا بتدخل عاجل يوقف هذه “الاعتداءات” التي جعلت حياة سكان البوادي جحيما حقيقيا.
البرلماني لم يكتف بعرض معاناة الأهالي، بل قدم اقتراحا أثار الكثير من الجدل، تمثل في إحداث مجازر للخنزير البري وتحويل أضراره إلى مورد اقتصادي عبر تصدير لحومه إلى الأسواق الخارجية، حيث الطلب مرتفع والأثمان مغرية.
ورغم غرابة المقترح، فإن خلفياته تعكس مأساة عميقة يعيشها سكان الجبال والقرى، الذين يجدون أنفسهم بين فكي الكارثتين: جفاف أكل زرعهم وضرعهم، وحيوان بري يفتك بما تبقى من أملهم.
فالقرية اليوم لم تعد كما كانت، مياهاها جفت، ووديانها نضبت، و“واد أم الربيع” الذي كان يمنح الحياة لأهالي ضواحي سطات، أصبح ذاكرة باهتة من زمن الخير والرخاء.
وفي سياق آخر، لم ينس هيشامي أن يذكر كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري زكية الدريوش بمعاناة القرويين مع نقص المنتجات البحرية، قائلا إن “أغلب سكان المناطق الجبلية لا يعرفون من خيرات البحر سوى السردين”، رغم أن الثروة السمكية ملك لكل المغاربة.
صرخة البرلماني ليست مجرد سؤال تحت قبة البرلمان، بل هي صوت البادية المهمشة التي أنهكها الإهمال، وجعلها تواجه الطبيعة وحدها. بين أنياب “الحلوف” ولهيب الجفاف، يقف فلاح مغربي صابر، ينظر إلى أرضه بعيون مثقلة بالدموع، منتظرا التفاتة ترد له كرامته وحقه في الأمان الغذائي والحياة الكريمة.


