وفي أزقة المدن الكبرى، تتراص الدراجات النارية مثل جثث معدنية في حالة انتظار… لا بيع، لا شراء، لا حركة. السوق الذي كان ينبض بالحياة والحركة، تحول إلى مرآة صامتة لقرار إداري قلب الموازين: تحديد سعة محركات الدراجات في حدود 49 سنتيمترا مكعبا فقط.
الركود الذي يعيشه هذا القطاع لا يقتصر على الأرقام، بل يمتد ليطال أرزاق آلاف المهنيين، وأحلام شباب استثمروا مدخراتهم في تجارة بسيطة، تؤمن لهم قوتهم اليومي. والسبب؟ قرار إداري صور على أنه خطوة لتنظيم القطاع، لكنه وقع على المهنيين كصفعة باردة.
“لسنا ضد القانون… لكننا لسنا آلات”
هكذا يختصر محمد، تاجر دراجات نارية في أحد أحياء الدار البيضاء، الوضع. يؤكد الرجل، شأنه شأن العشرات، أن المهنيين لا يعارضون تنظيم القطاع، بل يطالبون بفعل ذلك منذ سنوات. لكن “التنظيم لا يجب أن يتحول إلى خنق”، يضيف.
السوق، بحسب المهنيين، يعرف تراجعا أسبوعيا في الأسعار، وتكدسا في البضائع، وغيابا تاما للطلب. الاستيراد توقف، المحلات فارغة، والمستخدمون توقفوا عن استعمال دراجاتهم خشية الحجز أو التوقيف.
دراجات قديمة، قوانين جديدة
المفارقة العجيبة التي أثارت استياء التجار، هي أن القرار يفرض اليوم على دراجات تم استيرادها منذ أكثر من عشر سنوات. كيف يطلب من دراجة اشتراها صاحبها بمحرك 110 سم³ أن تصبح فجأة غير قانونية؟ يتساءل أحدهم، مشيرا إلى أن أغلب الدراجات لم تعدل محليا، بل وصلت إلى المغرب بتلك المواصفات.
أزمة الدراجات النارية تسلط الضوء على معضلة أعمق: كيف يمكن تنظيم قطاع يعيش عليه آلاف البسطاء، دون أن يكون الثمن مزيدا من البطالة والهشاشة؟ فحتى التجار الكبار لم يسلموا من الخسائر، لكنهم قادرون على تدوير رؤوس أموالهم. أما صغار البائعين، فربحهم لا يكفي إلا لسداد كراء المحل، أو شراء “خبز اليوم”.
أحد المهنيين أشار إلى مفارقة أخرى: “الشرطة تحجز دراجات بسبب تعديل مزعوم، بينما الواقع أنها خرجت من المصنع بهذه المواصفات”. وتساءل: “لماذا لا تفتح تحقيقات معمقة؟ لماذا نحاسب على شيء لم نفعله؟”
بفعل الخوف من الحجز والعقوبات، أصبح المئات من مستخدمي هذا النوع من الدراجات يفضلون التخلي عنها، رغم اعتمادهم الكلي عليها في تنقلاتهم وأعمالهم. مشهد غريب لدراجات متوقفة إلى أجل غير مسمى، في وقت كان يفترض أن تساهم في دينامية النقل والتنقل داخل الأحياء الشعبية.