أصبحت رؤية ضوء ساطع أو أرواح تحوم فوق جسد المرء مجازات ثقافية لوصف تجارب الاقتراب من الموت. الدكتور جيفري لونج، خبير السرطان الذي يمارس المهنة في كنتاكي بالولايات المتحدة الامريكية، يؤمن أن هذه المجازات صحيحة، وذلك بعد عقود من دراسة آلاف الحالات.
يوضح الدكتور لونج، الذي كان متشككا في السابق، أن سنوات من البحث في أوجه التشابه بين روايات مختلفة لتجارب الاقتراب من الموت قد غيرت معتقداته حول الحياة الآخرة. فقد توصل إلى أن التجارب الموصوفة تتشابه بشكل كبير بغض النظر عن الخلفيات الثقافية أو الدينية للأشخاص.
حتى الآن، جمع الدكتور لونج أكثر من 5000 شهادة من أشخاص من أكثر من 30 لغة ومن مختلف الأديان والخلفيات الثقافية، مما يعزز فهمه لهذه الظاهرة المثيرة للجدل ويؤكد على أن تجارب الاقتراب من الموت تحمل أبعادا عالمية تتجاوز الحدود الثقافية والدينية.
أنشأ الدكتور لونج مستودعا عبر الإنترنت للأشخاص ليقدموا تفاصيل عن فرشاتهم الخاصة مع الوفيات.
رؤى وتجارب غامضة تغير نظرة العلم
تشمل قصص تجارب الاقتراب من الموت العديد من الروايات المؤثرة، مثل قصة شخص قادته شخصية ترتدي ملابس إلى حقل يجلس فيه أحباؤه المتوفون، وأخرى لشخص شهد جرما من الضوء يغادر صدره، يحوم للحظة، ثم يخرج من الغرفة.
إقرأ أيضا:
منذ سبعة وثلاثين عاما، أثار مقال في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية اهتمام الدكتور لونج بما أطلق عليه المؤلفون “تجارب الاقتراب من الموت”، وهي ظاهرة عرضوها دون تفسير سريري أو طبي. قال الدكتور لونج لـ “إنسايدر”: “لقد أوقفني ذلك في مساراتي”. تدريباتي الطبية كانت تخبرني أن الإنسان إما حي أو ميت، ولا يوجد شيء بينهما. لكن فجأة، كنت أقرأ تقريرا لطبيب قلب يصف مرضى ماتوا ثم عادوا إلى الحياة، وذكر تجارب مميزة للغاية ولا تصدق تقريبا.
وصف الدكتور لونج تجربة الاقتراب من الموت بأنها حالة يكون فيها الشخص إما في غيبوبة أو ميتا سريريا بدون نبض قلب، بينما لا يزال يعيش تجربة واضحة يشعر فيها بالعواطف ويرى ويسمع، بالإضافة إلى التفاعل مع الكائنات الأخرى. هذه التجارب تثير تساؤلات عميقة حول الحدود بين الحياة والموت، وتغير نظرة العلم التقليدية نحو هذه الظاهرة الغامضة.
تشابه مذهل في روايات الاقتراب من الموت
وبحسب ما ورد قام بتقييم آلاف الحكايات، وجميعها متشابهة بشكل لافت للنظر بغض النظر عن نظام معتقدات الشخص، سواء كان مسيحيا أو مسلما أو هندوسيا أو يهوديا أو ملحدا.
أنشأ هو وزوجته في عام 1998، مؤسسة أبحاث تجربة الاقتراب من الموت، التي يتيح موقعها الإلكتروني للأشخاص من جميع أنحاء العالم توثيق تجاربهم الروحية وتجاربهم خارج الجسد.
قال أحد المستخدمين ويدعى هاري: “إن أجزاء الضوء الأقرب إلي كانت والدي وأجدادي وعائلتي الذين ماتوا من قبل، وكانوا على اتصال بأصدقاء مقربين وأشخاص أثروا علي وأثرت فيهم. لقد تأثرت بشدة بهذه التجربة”.
وكتب آخر يدعى ستار: “اجتاحني نور نقي ورائع ولم يعد لدي جسد مادي. هل ما زلت موجودا؟ لم تكن لدي عيون لأرى بها، لكنني نظرت إلى كل شيء حولي. كنت في وسط العدم الشاسع، لكن العدم لم يكن فارغا، كان مملوءا بالكامل بحضور الله الحي”.
ومن إيطاليا، قالت مستخدمة تدعى سارة: “تحدثت معي هذه الكائنات الثلاثة النقية بلغة مختلفة. استخدموا أفكاري، لكن الأمر كان مختلفا عن الأفكار المعتادة. كنت أعرف بالفعل أنه من خلال تواجدي بجانبهم، كل شيء يعود إلي. لقد أعطوني الكثير من الحب… لم أرغب في المغادرة، لكن كان علي العودة. هكذا كان يجب أن يكون الأمر”.
100% من الذين واجهوا الموت لم يعودوا يخشونه
خلال عقود من البحث، توصل الدكتور لونغ إلى أن حوالي 45% من تجارب الاقتراب من الموت تتضمن الشعور بالخروج من الجسد، حيث يشعر الأفراد بانفصال وعيهم عن أجسادهم.
أفاد حوالي ثلاثة أرباع الأشخاص الذين مروا بهذه التجارب برغبتهم في البقاء في الحياة الآخرة بسبب الحب الهائل والفرح الذي غمرهم. كما ذكر أكثر من نصفهم أنهم رأوا عالما “سماويا”، وحوالي ربعهم شعروا بأنهم محاطون بالضوء أو الضباب.
وأشار الدكتور لونغ إلى أن هذه التجارب تجعل ما يقرب من 100% ممن واجهوا الموت لا يعودون يخشونه.
وقد غيرت هذه الأبحاث بشكل دائم الطريقة التي يتعامل بها الدكتور لونغ مع مرضاه. في السابق، لم يكن يتحدث عن أبحاثه في هذا المجال بشكل مباشر،.. ولكن إذا أراد مرضاه مناقشة الأمر، فهو لا يتردد في مشاركتهم. وأوضح الدكتور لونغ: “أخبرهم أنه بناء على بحثي، أنا واثق جدا من أن هناك حياة أخرى رائعة تنتظرنا جميعا، وأننا سنجتمع مجددا مع أحبائنا المتوفين”. وهذا يوفر لهم طمأنينة كبيرة. أما بالنسبة لي، فإنها نعمة أن أتمكن من مشاركة هذه المعلومات معهم.
وأضاف أن هذه المعرفة ساعدته على أن يصبح طبيبا أفضل،.. حيث يمكنه مساعدة مرضاه في التعامل مع الأمراض المهددة للحياة “بشجاعة وشغف متزايدين”.
وختاما قال: “هدفي هو مساعدتهم في الحصول على أيام صحية أكثر هنا على الأرض،.. لكنني أعتقد اعتقادا راسخا أنه إذا ماتوا، فسوف ينعمون بالسلام”.