رغم مرور سنوات على شكاوى المواطنين، لا يزال مشهد “حراس السيارات العشوائيين” الذين يرتدون سترات صفراء يطبع يوميات السائقين في مختلف المدن المغربية، حيث تفرض رسوم غير قانونية مقابل ركن السيارات، وسط صمت رسمي يثير التساؤلات حول من يتحكم في هذا القطاع المربح.
داخل العاصمة الاقتصادية، يؤكد أحد الممثلين التجاريين العاملين في قطاع الأدوية، أن كل محطة توقف تشكل له احتمالا للتعرض للابتزاز، إذ يضطر إلى دفع ما بين 10 و20 درهما حتى في مواقف محددة مسبقا من طرف الجماعات. ويروي أن بعض الحراس لا يترددون في التهديد المباشر بـ”خدش السيارة” إذا رفض السائق الدفع.
الظاهرة لا تتعلق فقط بسلوك فردي معزول، بل بأرقام صادمة تعكس حجم الاقتصاد الموازي الذي يدره هذا القطاع يوميا. إذ تفيد إحدى التحقيقات التلفزية بأن رقم معاملات “حراسة السيارات” يفوق 8 ملايين درهم في اليوم، أي ما يعادل أكثر من 3 مليارات درهم في السنة، دون أن تمر هذه الأموال عبر القنوات الرسمية أو تخضع لأي نظام ضريبي.
على المستوى القانوني، يصف أساتذة جامعيون ومهنيون هذه الممارسة بالخطيرة. فالأستاذ جواد العسري، المختص في المالية المحلية، يرى أن ما يحصل هو “تقسيم غير مشروع للمجال العام” من طرف مجموعات منظمة، تستحوذ على الشوارع والأزقة وتفرض على السائقين رسوماً غير منصوص عليها قانونا. ويضيف أن بعضهم نصب حواجز تعيق المرور في وضح النهار، خاصة قرب مدن مثل القنيطرة.
المغاربة يدفعون دون قانون: متى تنتهي فوضى “الحراس العشوائيين”؟
من جانبه، يؤكد أحد المحامين بهيئة الرباط أن المجالس الجماعية لا تملك أصلا أي صلاحية قانونية لكراء الشوارع أو فرض رسوم مقابل استعمالها. ويشدد على أن مواقف السيارات في الشارع العام يجب أن تكون مجانية ما لم تهيأ كمرافق تجارية. لذلك، فإن أي استخلاص لرسوم الحراسة دون سند قانوني يعتبر “نصبا واحتيالا وابتزازا”، ويدعو المواطنين إلى اللجوء إلى النيابة العامة.
لكن خلف صورة “المبتز”، هناك وجه آخر لا يقل قسوة. أحد الحراس الذين استجوبهم موقع إلكتروني، كشف أن الأرباح الكبيرة لا تعود إليهم، بل تصل إلى “أشخاص مجهولين” يديرون القطاع من الخلف. ويضيف أن دخله اليومي لا يتجاوز 300 إلى 500 درهم، بينما قد تصل المداخيل في النقاط الحيوية إلى 10 آلاف درهم في اليوم، خاصة خلال العطل والمناسبات.
الحارس ذاته يقر بأنهم ضحايا لمنظومة غير عادلة، تفتقر إلى أي حماية قانونية أو اجتماعية، وتضعهم في مواجهة مباشرة مع المواطنين دون غطاء إداري أو قانوني. ويطالب بتنظيم هذا القطاع وإخراجه من منطق الفوضى الذي يستنزف جيوب المواطنين ويقوض صورة الدولة وهيبتها.
في النهاية، لا يتعلق الأمر فقط بمشكلة حراسة سيارات، بل بمشهد يعكس اختلالات بنيوية في استغلال الفضاء العمومي، وسط غياب المراقبة، وتنامي الاقتصاد غير المهيكل الذي لا تزال الدولة عاجزة عن ضبطه أو تحويله إلى مورد قانوني يدعم الخزينة العمومية.
يسعدني تلقي رسائلكم على: ayoub.anfanews@gmail.com


