الأكثر مشاهدة

دراسة صادمة: 55% من أطر علاج الأورام بالمغرب يعانون من “فقدان التعاطف”

صدر في العدد 12 من مجلة Oncoscience بتاريخ 31 يوليوز 2025، بحث علمي يحمل عنوان: «الاحتراق المهني لدى الممرضين والتقنيين في طب الأورام بالمغرب: الانتشار، عوامل الخطر والنمذجة بالمعادلة البنيوية». الدراسة، التي أنجزها الأساتذة الباحثون إيمان الرامي، صابر بوطيب وحسن الريحاني من كلية الطب والصيدلة بجامعة محمد الخامس بالرباط، تعد الأولى من نوعها في المغرب التي ترصد بشكل منهجي حجم معاناة الأطقم الصحية المتخصصة في علاج السرطان.

النتائج التي خلصت إليها الأبحاث تبدو صادمة: 63,7 في المائة من أفراد الطاقم يعانون من احتراق مهني حاد. كما أن 70,3 في المائة أظهروا مستويات مرتفعة من الإرهاق العاطفي، في حين يعاني 54,9 في المائة من ظاهرة “التجرد أو فقدان التعاطف”. هذه الأعراض، بحسب الخبراء، تعكس الثمن النفسي الباهظ الذي يدفعه الممرضون والتقنيون عند مرافقة مرضى يعيشون معاناة يومية شديدة.

الدراسة بينت أن الممرضين بشكل خاص، إضافة إلى الشباب والنساء، هم الأكثر عرضة للإصابة بالاحتراق النفسي. فالممرض يوجد في مواجهة مباشرة مع الحالات الحرجة، والشباب يفتقرون إلى خبرة كافية للتعامل مع الضغوط المتكررة، بينما تتحمل النساء أعباء مزدوجة بين مسؤوليات العمل والأسرة. أحد التقنيين الشباب في قسم العلاج الإشعاعي عبر عن حالته قائلا: «دخلت هذا المجال بشغف، لكن بعد عامين صرت أعاني من الأرق والتعب المستمر. حتى أقاربي لاحظوا أنني تغيرت».

- Ad -

بيئة عمل مرهقة

العوامل المهنية لعبت بدورها دورا حاسما. فبحسب الدراسة، 55 في المائة من المستجوبين غير راضين عن أجورهم، بينما عبّر فقط 11 في المائة عن رضاهم بخصوص مناخ العمل. نقص الموارد البشرية، ساعات العمل الطويلة، الضغط الإداري وغياب التحفيز المؤسسي كلها عناصر تسرّع تفشي الظاهرة. أحد الأطر التمريضية في الدار البيضاء وصف الوضع قائلا: «نشتغل بأعداد قليلة، نواجه ضغطا كبيرا، ولا نجد التقدير المطلوب. كثير من الزملاء يفكرون في ترك المهنة نهائيا».

الاحتراق المهني في مجال الأورام ليس مقتصرا على المغرب. ففي الولايات المتحدة، نصف الأطباء المتخصصين تقريبا صرحوا بمعاناتهم من أعراض مماثلة، حسب بيانات الجمعية الأمريكية لطب الأورام. في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا تتراوح النسب حول 50 في المائة، بينما ترتفع إلى ما فوق 65 في المائة في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، حيث النقص الحاد في الأطر الطبية يزيد من حدة الضغوط.

توصيات عاجلة

الباحثون المغاربة شددوا على أن التعامل مع هذه الظاهرة يتطلب مقاربة شمولية: تحسين ظروف العمل، رفع الأجور، تقليص حجم الأعباء اليومية، إتاحة تكوين مستمر، وتوفير دعم نفسي متخصص داخل المؤسسات الصحية. الهدف هو حماية مقدمي الرعاية، وضمان جودة أفضل للخدمات الموجهة لمرضى السرطان.

هذه الدراسة تشكل جرس إنذار قوي. فالأرقام المعلنة لا تترجم مجرد معطيات إحصائية، بل تكشف عن معاناة إنسانية تهدد استمرارية مهنة نبيلة. وإذا لم تتخذ إجراءات عملية، فإن خطر استنزاف الطواقم الصحية قد ينعكس سلبا على مستقبل علاج الأورام في المغرب.

مقالات ذات صلة