يبدو أن الجزائر لا تطلق سراح كتابها إلا عندما يرن الهاتف من الخارج. فبعد أشهر من الزج بالكاتب بوعلام صنصال في السجن، بتهمة “المساس بالوحدة الوطنية”، جاء الفرج أخيرا… لكن ليس بفضل “العدالة المستقلة”، بل بعد طلب إنساني من الرئيس الألماني نفسه، كما جاء في بيان رئاسة الجمهورية.
القرار، الذي صدر عن الرئيس عبد المجيد تبون “تنفيذا للمادة 91 الفقرة 8 من الدستور”، جاء بعد استشارة قانونية، أو ربما بعد استشارة سياسية أكثر منها قانونية، لأن ألمانيا لم تكتف بالمطالبة بالإفراج عن الرجل، بل تكفلت بنقله وعلاجه، في خطوة تبدو أقرب إلى إنقاذ ديبلوماسي منها إلى بادرة إنسانية.
وبينما لم يجد صنصال مكانا في لائحة العفو الرئاسي بمناسبة عيد الاستقلال، وجد نفسه هذه المرة في لائحة الشرف الألمانية، بعدما رأت برلين وباريس أن القلم لا يجب أن يسجن حتى لو كتب ما لا يعجب السلطة.
البيان الرسمي تحدث عن “علاقات شخصية قوية” تجمع تبون بنظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير، لكن المراقبين رأوا في هذا القرار تراجعا مهذبا أمام الضغط الأوروبي أكثر منه بادرة طيبة. خاصة وأن فرنسا بدورها كانت قد تحركت في الكواليس مطالبة بالإفراج عن الكاتب الثمانيني الذي تحول في الجزائر إلى رمز لحرية التعبير المكممة.
الملف الذي بدأ بتهمة “المساس بالوحدة الوطنية” انتهى ببطاقة سفر نحو ألمانيا، وكأن العلاج من المرض السياسي في الجزائر لا يوجد إلا في مستشفيات أوروبا. إنها عدالة بعلبة دواء ألمانية، تفتح الزنازين بالضغط الخارجي وتغلقها عند أول رأي مزعج.
هكذا، مرة أخرى، تثبت الجزائر الرسمية أن حقوق الإنسان فيها قابلة للتفاوض الدبلوماسي، وأن الكتاب لا يخرجون من السجون إلا بعد أن يوقع الأوروبيون على إذن الخروج.


