عاد الجدل حول “حق الإحلال الدوائي” ليطفو على السطح بقوة في الأوساط الصحية المغربية، وذلك عقب اجتماع عقدته وزارة الصحة والحماية الاجتماعية نهاية شهر أكتوبر الماضي مع ممثلي الصيادلة، لمناقشة مشروع “المرجع الوطني للأدوية الجنيسة”. ورغم أن هذا المرجع يمثل مطلبا تاريخيا للصيادلة، فإنه يواجه رفضا قاطعا من الأطباء الذين يرون فيه تهديدا مباشرا لسلامة المرضى.
سلاح الصيادلة: الإحلال لضمان استمرارية العلاج
يهدف المشروع الحكومي إلى وضع قائمة مرجعية تحدد التكافؤ بين الأدوية الأصلية (Princeps) ومثيلاتها الجنيسة (Génériques)، مع تفاصيل حول المادة الفعالة، الجرعة، والشكل الصيدلي. هذا المرجع، في حال اعتماده، سيفتح الباب أمام الصيادلة لـ “إحلال” الدواء الموصوف بدواء جنيس مكافئ دون العودة للطبيب، وهي خطوة يدافع عنها الصيادلة بشدة. ويرى الصيادلة، الذين يعتبرون أنفسهم متخصصين في الدواء، أن هذا الحق ضروري لضمان استمرارية العلاج، خاصة في حالات نقص المخزون، مؤكدين أن الإحلال سيتم بناءً على التطابق التام في المادة والجرعة والشكل الصيدلي.
تحذيرات الأطباء: غياب التتبع واختلاف المكونات
في المقابل، أعربت تنسيقية النقابات الطبية العامة للقطاع الخاص عن قلقها الشديد، معتبرة أن المشروع في شكله الحالي “يعاني من إخفاقات تقنية وتنظيمية عميقة” تجعل تطبيقه “شبه مستحيل وخطير على سلامة المريض”. ووضعت التنسيقية يدها على نقاط ضعف قاتلة، تشمل التشكيك في التكافؤ البيولوجي لبعض الأدوية الجنيسة نظرا لغياب دراسات منشورة ومعايير رقابة صارمة، إضافة إلى تباين جودة التصنيع بين المختبرات.
وينبه الأطباء إلى أن المشكلة لا تقتصر على المادة الفعالة، بل تمتد إلى اختلاف المواد المضافة (Excipients) بين الدواء الأصلي والبديل، مما قد يسبب ردود فعل تحسسية غير متوقعة، ويستشهدون بحالات واقعية كحالة طفل بالغة ثلاث سنوات تم تغيير مضاده الحيوي في الصيدلية دون علم الطبيب، مما أدى إلى رد فعل تحسسي خطير.
فوضى المسؤولية وغياب الصيدلي
يزداد القلق من غياب نظام رقمي موحد لتتبع الإحلالات التي تتم في الصيدليات، مما يفتح الباب أمام فوضى في المسؤوليات وتضارب في المتابعة القانونية. ويؤكد الأطباء أن فكرة “الإحلال المسؤول” تصطدم بواقع مغادرة الصيدلي لمركزه بشكل متكرر، وترك الصيدلية تحت إشراف مساعدين يفتقرون للمؤهلات العلمية والقانونية اللازمة، ناهيك عن التحدي الأكبر في المناطق النائية التي تغيب عنها الرقابة الطبية والصيدلية الدائمة.
وفي السياق القانوني، ذكر الأطباء بأن القانون 131.13 المنظم لمزاولة مهنة الطب ينص بوضوح على أن “الوصفة الطبية عمل مخصص حصريا للطبيب ولا يمكن تفويضه للصيدلي”، مشيرين إلى أن هذا القانون لا يمكن تجاوزه بمرجع أو تعميم وزاري. كما تبرز مشكلة المسؤولية، حيث يرفض الصيادلة في كثير من الأحيان تحمل التبعات القانونية في حال وقوع رد فعل سلبي للمريض، مما يضع الطبيب في الواجهة القانونية.
وفي ضوء هذه المخاوف الجادة، دعت النقابات الطبية إلى “التعليق الفوري للمشروع”، مطالبة بإرساء قاعدة علمية صلبة ومشاركة الهيئات الطبية والصيدلية في صياغة النسخة النهائية، لضمان ألا يكون الهدف النبيل على حساب سلامة وحياة المواطن.


