في مشهد مؤثر يختصر وجع الهامش المغربي، خرجت عشرات النساء من منطقة تالحيانت بضواحي خنيفرة في مسيرة احتجاجية شجاعة، سيرا على الأقدام، نحو مقر العمالة، وهن يحملن وجوها متعبة وأصواتا محملة بالأمل والخذلان معا. نساء لم يطالبن بامتيازات ولا بمشاريع ضخمة، بل بأبسط حقوق الحياة اليومية: طريق صالحة، وماء صالح، ونقل يحترم كرامتهن.
رغم محاولة القوات العمومية تطويق المسيرة ومنعها من الوصول إلى الطريق الوطنية، إلا أن المحتجات واصلن السير عبر مسالك ترابية وعرة، متحديات التعب والخطر، لتصل رسالتهن إلى المدينة التي نسيت أن في ضواحيها أناسا يعيشون في عزلة تامة.
وخلال التدافع، أغمي على عدد من النساء بسبب الإنهاك والازدحام، في مشهد أثار موجة من الغضب والتعاطف على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تساءل كثيرون عن معنى “الإنصاف المجالي” الذي لا يجد طريقه إلى مناطق كتالحيانت.
الطريق الوحيدة المؤدية إلى الدوار، والتي يصفها السكان بـ“الكارثية”، أصبحت رمزا للمعاناة اليومية. الحافلات العمومية انسحبت من الخط بسبب الأعطاب المتكررة، تاركة الأطفال والتلاميذ يواجهون مصيرهم على أرجلهم أو ينتظرون لساعات وساعات وسيلة نقل قد لا تأتي. وحتى أولئك الذين يملكون سيارات خاصة، يجدون أنفسهم مجبرين على خوض مغامرة محفوفة بالمخاطر وسط الوحل أو الغبار.
الغضب الشعبي لم يأت من فراغ، فقد سبق للساكنة أن راسلت السلطات الإقليمية في غشت الماضي مطالبة بالتدخل، دون أن تتلقى أي رد أو مبادرة ملموسة. وفقط بعد أن ارتفعت أصوات النساء في الشوارع، تحركت عمالة خنيفرة بإيفاد وفد رسمي ضم الكاتب العام ورئيس قسم الشؤون الداخلية، للقاء ممثلات المحتجات.
وقد تم الاتفاق على انتداب عشر نساء لتمثيل الساكنة في الحوار، مع وعود بالتدخل العاجل لمعالجة الملفات ذات الطابع الاستعجالي، وهي وعود سبق أن سمعها السكان من قبل دون أن ترى النور.
احتجاجات تالحيانت لا يمكن فصلها عن سلسلة الغضب الذي يجتاح مناطق أخرى من المغرب العميق، مثل دواوير آيت بوكماز التي سبقت إلى الشارع قبل أشهر، مطالبة بنفس المطالب: الطريق، المدرسة، والماء والكهرباء.
فما يحدث ليس مجرد احتجاج محلي، بل صرخة صادقة ضد منطق التهميش الذي يقسم المغرب إلى مركز يغرق في المشاريع، وهامش يطلب فقط الوصول إلى المدرسة دون أن تغرق قدماه في الطين.
اليوم، بعد أن أنهت نساء تالحيانت مسيرتهن الشاقة، تبقى الكرة في ملعب السلطات الإقليمية: هل ستفي بوعودها أخيرا، أم ستترك الغبار يغطي الملفات كما يغطي طرق المنطقة المنسية؟


