واصلت صادرات قطاع النسيج والجلد بالمغرب منحاها التراجعي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2025، في مؤشر يعكس عمق الأزمة التي باتت تخنق هذا القطاع التصديري الحيوي. الأرقام الرسمية الصادرة عن مكتب الصرف كشفت أن القيمة الإجمالية للصادرات بلغت 11.514 مليار درهم، مسجلة انخفاضا بنسبة 1,4% مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2024.
هذا التراجع الجديد يأتي ليؤكد توجه الانكماش الذي انطلق منذ سنة، بعدما كانت الصادرات قد سجلت انخفاضا بنسبة 3,9% في الربع الأول من 2024، لتنقلب بذلك دينامية التعافي التي شهدها القطاع عامي 2022 و2023 إلى منحى مقلق يصعب تجاهله.
وبالعودة إلى تطور صادرات النسيج ما بين 2019 و2024، يتضح المسار المتقلب للقطاع. ففي الربع الأول من 2019، بلغت الصادرات 9.396 مليار درهم، قبل أن تنخفض بشكل حاد إلى 8.360 مليار درهم سنة 2020 بفعل أزمة كوفيد-19، ثم إلى 7.845 مليار سنة 2021 بسبب الاضطرابات اللوجستية والمنافسة الآسيوية الشرسة.
غير أن سنة 2022 جاءت بانفراج واضح مع تسجيل 10.365 مليار درهم، مدعومة بانتعاش الطلب الأوروبي وإعادة تموقع المغرب في سلاسل القيمة. وفي 2023، بلغ الأداء ذروته بـ12.148 مليار، قبل أن يتراجع مجددا في 2024 إلى 11.672 مليار درهم.
صادرات النسيج تتراجع للعام الثاني.. والمستثمرون يحذرون من ضياع الفرص
عبد الرحمان عطفي، أحد الصناعيين المخضرمين في المجال والرئيس السابق لفرع الدار البيضاء في الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة، اعتبر في تصريح أوردته “ميديا24” أن هذا الانكماش كان متوقعا. “الوضع الاقتصادي في أوروبا صعب، والقدرة الشرائية في تراجع مستمر، ومن الطبيعي أن يتأثر الطلب على النسيج المغربي”، يقول عطفي.
وإلى جانب الوضع الأوروبي، أشار المتحدث إلى عامل خارجي آخر لا يقل ثقلا، وهو حالة الترقب التي تسود العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة. “الأسواق الأوروبية تتأنى في اتخاذ قراراتها بسبب الغموض المحيط بمفاوضات بكين وواشنطن، فضلا عن انتظارها لحسم مآلات الرسوم الجمركية الأمريكية”.
في ظل هذا السياق العالمي المتغير، يرى عطفي أن المغرب مطالب اليوم بالتحرك سريعا نحو السوق الأمريكية، التي تمثل فرصة استراتيجية يجب عدم تفويتها. ويضيف: “الرهان اليوم هو الضغط لإعادة إحياء النقاش حول اتفاق التبادل الحر مع الولايات المتحدة، خصوصا بما يخدم مصالح قطاع النسيج المغربي”.
ويؤكد عطفي أن المغرب يمتلك قدرات صناعية عالية في مجال الخياطة والتجهيز، لكنها تظل محدودة بسبب ضعف الولوج إلى المواد الأولية بشكل تنافسي، مشددا على أن توفير هذه المواد كما هو الحال في آسيا قد يضاعف صادرات المغرب بسهولة.
أما بخصوص مشروع “صنرايز” المرتقب في المغرب، والذي يعول عليه لتحديث سلسلة الإنتاج، فيرى عطفي أنه خطوة إيجابية لكنها بعيدة الأثر، وقد يتطلب الأمر سنتين على الأقل لملاحظة تأثيرها الحقيقي على السوق.
“الفرصة الأمريكية أمامنا الآن، وتأجيلها ليس في صالح أحد. السوق العالمية تعيد تشكلها، ومن لا يواكب هذا التحول سيخرج من السباق”، هكذا يختم عطفي نداءه.