في إحدى زوايا مستشفى هولندي، يخوض رضيع مغربي يدعى زكرياء معركته الأصعب منذ ولادته قبل ستة أشهر فقط. جسده الصغير، الذي لم يعرف بعد دفء الطفولة، يواجه مرضا نادرا لا يصيب إلا القليل من الأطفال حول العالم. ومع ذلك، فإن قصة هذا الطفل أصبحت عنوانا للأمل والإصرار، بعد أن تمكن والداه من جمع نحو 100 ألف يورو لدعم الأبحاث الطبية حول هذا الداء الغامض.
ولد زكرياء في 15 أبريل الماضي، كخامس طفل لزوجين مغربيين مقيمين بهولندا، ياسمين (34 سنة) ومحمد (35 سنة). بدا بصحة جيدة عند الولادة، لكن سعادتهما لم تدم طويلا. بعد أيام قليلة، لاحظت الأم أن ابنها لم يعد يحتفظ بحرارته الطبيعية، ثم فقد وعيه تدريجيا. ورغم زيارات متكررة للطبيب، طمأنهما الأطباء بأن الأمر بسيط، لكن إحساس الأم لم يخطئ.
في اليوم الثالث، حين خضع زكرياء لـ“اختبار الكعب”، لم يبد أي رد فعل. بعدها، جاء الاتصال الذي غير كل شيء: طفلها يعاني من نقص حاد في مادة الكوبالامين C، وهي حالة استقلابية نادرة للغاية تجعل الجسم عاجزا عن تحويل الفيتامين B12 إلى مركبات أساسية للنمو. مرض يمكن أن يدمر الدماغ، القلب والكبد، ويمنع الطفل من الرؤية أو الكلام.
تقول ياسمين: “عشنا لحظات من الذهول والخوف. لم نكن نعرف ما معنى مرض استقلابي، كل ما علمناه أننا على وشك فقدان ابننا”. ومنذ ذلك اليوم، ترك الزوجان عملهما وتفرغا بالكامل لرعاية طفلهما الذي عاش شهرين في قسم الإنعاش، تعرض خلالهما لنوبات صرع متكررة واضطراب في التنفس استدعى أجهزة دعم الحياة أكثر من مرة.
تشرح الطبيبة إسمي أوسورين من مستشفى الأطفال “صوفيا كيندرزيكينهاوس” أن حالة زكرياء “نادرة جدا، ولم يسجل سوى عدد قليل من الأطفال الذين يولدون بها في هولندا خلال السنوات الأخيرة”، مضيفة أن “العلاج يقتصر حاليا على حقن عضلية يومية بجرعات عالية من فيتامين B12، إلى جانب خمسة أنواع من الأدوية التي تساعده على البقاء على قيد الحياة”.
لكن رغم كل الصعوبات، لم يفقد الوالدان الأمل. فقد أطلقت ياسمين، وهي مؤثرة يتابعها أكثر من 150 ألف شخص، حملة تبرعات عبر الإنترنت لصالح مؤسسة “ميتاكيدز” الداعمة للأبحاث حول الأمراض الاستقلابية، وتمكنت خلال أسابيع من جمع 100 ألف يورو، في انتظار الوصول إلى الهدف المنشود: 150 ألف يورو.
تقول ياسمين، بصوت تختلط فيه القوة بالدموع: “ربما فات الأوان على إنقاذ زكرياء، لكني أحلم أن تنقذ الأبحاث المقبلة أطفالا آخرين”. أما محمد، والد الطفل، فيكتفي بالنظر إلى ابنه الصغير قائلا: “كل يوم يبتسم فيه، هو انتصار جديد”.


