تحول مشروع “مارتشيكا” الذي حمل في بداياته وعودا بتنمية عمرانية واقتصادية واسعة في إقليم الناظور إلى ملف مثقل بالأسئلة والخيبة، بعد أن خفتت ملامحه الأصلية وتقلصت طموحاته تدريجيا، رغم الغلاف المالي الضخم المخصص له والذي ناهز 2600 مليار سنتيم.
المشروع الذي انطلقت فكرته برعاية ملكية سامية، وسوق على أنه رافعة استراتيجية لتحويل الواجهة المتوسطية للناظور إلى قطب سياحي بيئي نموذجي، يشهد اليوم حالة شبه توقف. مكوناته الأساسية، وعلى رأسها “شارع القنطرة” الذي عرضت تصميماته المفصلة أمام جلالة الملك محمد السادس، لم تعد سوى أطلال غير مكتملة.
في الأصل، كان يفترض أن يضم المشروع ممرات مائية، قنطرة معمارية فريدة، فضاءات تجارية، ومرافق ترفيهية تطل على المتوسط. إلا أن جل هذه الوعود تبخرت دون أي بلاغ رسمي يوضح أسباب التوقف أو التحويرات التي طرأت. واكتفى الشارع المستهدف بوجود أشغال محدودة متعثرة، فيما غابت عناصر الجاذبية السياحية التي بني المشروع عليها.
كما شمل البرنامج التنموي مناطق أخرى مثل قرية أركمان، وبوقانا، وكورنيش الناظور، والتي كان يرتقب أن تتحول إلى واجهات سياحية بارزة. لكن الواقع اليوم يظهر تدهورا ملحوظا على مستوى الصيانة، البنية التحتية، وجودة الخدمات، مع غياب شبه تام لأي مؤشرات على التقدم أو الاستدامة.
الواجهة المتوسطية للناظور تترنح.. ومشروع “مارتشيكا” تحت مجهر التساؤلات
المثير للقلق، بحسب مصادر متطابقة، أن العديد من مكونات المشروع شهدت تعديلات متكررة في التصاميم، بعضها تم اختزاله بشكل كبير، والبعض الآخر ألغي نهائيا دون أي تبرير واضح. غياب الشفافية والتواصل المؤسساتي زاد من تعقيد الصورة، خاصة في ظل الغموض المحيط بأسباب هذه التغييرات: هل تعود لاعتبارات مالية؟ أم مشاكل تقنية؟ أم خلافات بين المتدخلين؟
وفي تصريح إعلامي، عبر عبد الحميد عقيد، نائب رئيس جماعة بني أنصار، عن استيائه مما آلت إليه الأمور، واصفا ما يحدث بـ”الانتكاسة التنموية”. وقال بالحرف: “كنا نعتقد أن مارتشيكا ستحقق طفرة حقيقية في الناظور، لكنها تحولت إلى عبء عمراني وسياحي، وورش متوقف لا يبعث على الأمل”.
المسؤول الجماعي ذاته لفت إلى وجود اختلالات في التنسيق بين المتدخلين، وتراجع واضح في أداء وكالة “مارتشيكا” التي يفترض أن تكون في قلب الدينامية التنموية بالمنطقة.
وفي الوقت الذي تواصل فيه المرافق الكبرى غيابها، تفيد معطيات حصلت عليها “آنفا نيوز” أن من بين الأسباب الرئيسية لتوقف الأشغال هو عدم توصل الوكالة بالمخصصات الحكومية التي كانت ضرورية لاستمرار مراحل التنفيذ، ما يجعل المشروع أمام أزمة حقيقية عنوانها “الإفلاس التنموي”.
هكذا إذا، تحولت وعود التنمية التي حملها “مشروع مارتشيكا” من عنوان للأمل إلى نموذج حي لفقدان البوصلة في التدبير، وسط ترقب شعبي واسع لمحاسبة الجهات المسؤولة عن تعثر هذا الورش الملكي الطموح.


