تراجعت أسعار الدجاج في الأسواق المغربية بشكل ملحوظ في الأيام الأخيرة، في مشهد يعكس هشاشة قطاع بأكمله وتحكم أطراف غير منتجة في خيوطه. التراجع يأتي بعد موجة غلاء حادة سبقت عيد الأضحى، وصلت فيها أسعار الدجاج لأرقام قياسية، تجاوزت 22 درهما للكيلوغرام الواحد في بعض الأسواق الكبرى، أبرزها الدار البيضاء.
وفي تصريح خاص، أوضح مصطفى منتصر، رئيس الجمعية الوطنية لمنتجي لحوم الدواجن، أن الإنتاج بلغ مستويات قياسية تفوق 11 مليون كتكوت أسبوعيا، وهو ما انعكس على الأسعار التي باتت في أدنى مستوياتها بالضيعات، حيث يتراوح ثمن الكيلوغرام بالجملة بين 11 و11.5 درهما، في حين بيع يوم الأحد 22 يونيو 2025 بسوق الجملة بالدار البيضاء بـ12 درهما فقط.
من المستفيد من الارتفاع والانخفاض؟
يؤكد منتصر أن “الكساب” لم يكن يوما هو الرابح من هذه الفوضى، بل المستفيد الحقيقي هو الوسيط. فخلال فترة العيد، اشترى هؤلاء الدجاج من الضيعات بـ13 إلى 14 درهما، ليعيدوا بيعه للمستهلك بأزيد من 22 درهما، في غياب تام للرقابة أو الضبط.
ويرى أن هذه الدورة غير المتوازنة تعود في جزء منها إلى السلوك الجماعي للمستهلكين الذين يرفعون الطلب في فترات محددة مما يؤدي إلى انفجار الأسعار، ثم يتراجعون فجأة بعد العيد، مما يتسبب في انهيار السوق، ويخلف خسائر للمربين.
ويشير إلى أنه لو تم توزيع استهلاك الدجاج على طول الشهر بالتساوي، لاستقرت الأسعار دون أن تتجاوز 15 درهما، خاصة وأن الضيعات تشتغل بوتيرة منتظمة لا تتغير.
من جهته، قال سعيد جناح، الأمين العام للجمعية المغربية لمربي الدواجن، إن العرض الحالي يفوق الطلب بكثير، مؤكدا أن المربين يجبرون على البيع بخسارة وصلت إلى درهمين للكيلوغرام، إذ يبيعونه بـ12 درهما بعد أن كلفهم إنتاجه 14 درهما.
وأرجع جناح هذا الخلل إلى “السماسرة” الذين يتحكمون في السوق من البداية، بدءا من بيع الكتاكيت التي يفترض ألا يتجاوز ثمنها 3 دراهم، لكنها تباع بـ6 دراهم، مرورا بالأعلاف التي يجب أن تسوق بـ3.5 دراهم، لكنها تصل لـ4 دراهم، وانتهاء بعملية التوزيع، حيث يصل الدجاج للمستهلك بـ18 درهما على الأقل.
غياب الإصلاح والضبط
هذه الفوضى، كما يصفها المعنيون بالقطاع، ليست جديدة، لكنها تتفاقم كلما ازداد الطلب، مثلما حدث خلال الأسبوع الأول من يونيو الجاري، حين ارتفع ثمن الدجاج إلى حدود 23 درهما للكيلوغرام نتيجة تعويض المواطنين لأضحية العيد بلحوم الدواجن.
في ذلك الحين، أوضح محمد عبود، رئيس الجمعية الوطنية لمربي دجاج اللحم، أن غياب الأضاحي هذا العام جعل الطلب على الدجاج يرتفع بشكل غير مسبوق، دون أن يقابله تدخل حكومي يضبط السوق أو يحمي المستهلك من جشع المضاربين.
أمام هذه الأزمة المركبة، التي تتداخل فيها الإنتاج والتوزيع والسلوك الاستهلاكي، يطالب المهنيون بضرورة تنظيم القطاع، والحد من تدخل الوسطاء، وإطلاق آلية وطنية لضبط الأسعار، خاصة في الفترات الحساسة، حتى لا يتحول “الدجاج”، الغذاء الشعبي الأول، إلى سلعة نادرة لا تطالها إلا جيوب ميسورة.
فالمستهلك اليوم لا يسأل كم كلف الفلاح، بل يتساءل لماذا يدفع أضعاف ذلك في السوق، والجواب يبقى عالقا بين حلقات سلسلة إنتاج، لا يزال الوسيط هو سيدها.