الأكثر مشاهدة

نزار بركة: الندرة المائية أصبحت واقعا ملموسا في المغرب رغم التساقطات.. أرقام مقلقة

انعقدت يوم 12 مارس 2025، بالعاصمة الرباط، ندوة علمية تحت عنوان “الإجهاد المائي في المغرب: الفهم والعمل”، بتنظيم مشترك بين مجموعة خريجي بلجيكا ومركز القادة الشباب، حيث قدم نزار بركة، وزير التجهيز والماء، تقريرا صادما حول الوضع المائي في المملكة، مؤكدا أن التساقطات المطرية الأخيرة لم تغير من واقع الأزمة شيئا.

ومع بلوغ نسبة ملء السدود أدنى مستوياتها، واستمرار نضوب الفرشات المائية، يتعاظم خطر الإجهاد المائي الذي بات يهدد مستقبل البلاد. الحكومة المغربية تسابق الزمن عبر مشاريع البنية التحتية، وتحلية المياه، وترشيد الاستهلاك، لكن يبقى التساؤل الأهم: هل تكفي هذه الإجراءات لتجنب أزمة مائية خانقة في السنوات القادمة؟

موارد مائية تتلاشى بسرعة مقلقة

يبلغ نصيب الفرد المغربي حاليا حوالي 600 متر مكعب سنويا من الموارد المائية، بعدما كان يصل إلى 2,560 مترا مكعبا سنة 1960، وهو ما يعني فقدان البلاد أكثر من 75% من احتياطاتها المائية في نصف قرن فقط. نزار بركة، خلال كلمته بالندوة، شدد على أن الندرة المائية أصبحت واقعا ملموسا، مدفوعا بتراجع التساقطات المطرية، والاستغلال المفرط للمياه الجوفية، وتلوث الموارد، إضافة إلى البنية التحتية المتقادمة.

- Ad -

وأشار إلى أن نسبة امتلاء السدود تراجعت إلى 18.9% بحلول 11 مارس 2025، مقارنة بـ31.1% خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، ما يعكس حدة الأزمة. ورغم أن التساقطات الأخيرة ساهمت في زيادة المخزون المائي بـ277 مليون متر مكعب، وهو ما يعادل استهلاك مدينة الدار البيضاء في سنة، إلا أن هذا التحسن يبقى محدود التأثير على المدى البعيد.

تعد جهتا سوس-ماسة ودرعة-تافيلالت الأكثر تضررا، حيث انخفضت احتياطاتهما المائية إلى أقل من 8% من طاقتهما الاستيعابية، وهو ما دفع الوزير إلى التحذير من أن أزمة المياه قد تتحول إلى تهديد مباشر للأمن المائي والغذائي. ورغم الجهود الحكومية الرامية إلى تعزيز البنية التحتية المائية، إلا أن تأثير هذه الإجراءات لا يزال محدودا. فبين عامي 2022 و2024، تم تدشين خمسة سدود كبرى في مناطق مختلفة، بينما لا تزال 16 منشأة أخرى قيد الإنشاء. كما تعتمد الحكومة على مشروع ضخم لربط الأحواض المائية، خاصة بين اللوكوس، سبو، أبي رقراق، وأم الربيع، بهدف إعادة توزيع المياه وفق احتياجات المناطق الأكثر تضررا.

تحلية المياه… خيار استراتيجي لكنه مكلف

أمام التراجع الحاد في الموارد المائية التقليدية، أصبح اللجوء إلى تحلية مياه البحر ضرورة لا مفر منها. المغرب يضم حاليا 16 محطة لتحلية المياه بقدرة إنتاجية تصل إلى 277 مليون متر مكعب سنويا، ومن المنتظر أن ترتفع إلى 430 مليون متر مكعب مع دخول خمس محطات جديدة الخدمة قريبا. ورغم هذه الجهود، فإن تحقيق الهدف الطموح بالوصول إلى 1.7 مليار متر مكعب بحلول 2050 لا يزال بعيد المنال، خاصة مع ارتفاع تكلفة هذه التقنية واعتمادها الكبير على مصادر الطاقة.

الزراعة تستهلك 85% من الموارد المائية

القطاع الزراعي يظل المستهلك الأكبر للمياه، إذ يستحوذ على 85% من إجمالي الاستهلاك الوطني، ما يجعل ضبط الاستعمال الفلاحي أمرا بالغ الأهمية. الحكومة تعكف حاليا على توقيع 15 عقدا جديدا لتنظيم استغلال الفرشات المائية، بهدف الحد من الاستنزاف غير المستدام لهذا المورد الحيوي. كما تتجه الدولة نحو تعزيز مشاريع إعادة تغذية الفرشات الجوفية بشكل اصطناعي، لكن نجاح هذه الإجراءات يظل رهينا بمدى التزام المزارعين واعتمادهم على تقنيات الري الذكي.

إحدى الإشكالات الكبرى التي تفاقم أزمة المياه في المغرب هي الهدر الكبير داخل شبكات التوزيع، حيث يفقد حوالي 23% من المياه قبل وصولها إلى المستهلكين. الحكومة وضعت خطة لرفع كفاءة الشبكة إلى 78% بحلول 2027 و80% بحلول 2030، عبر مشاريع تأهيل البنية التحتية وإصلاح القنوات المتقادمة. لكن إصلاح الشبكات وحده لن يكون كافيا، إذ يحتاج المغرب إلى تبني ثقافة جديدة في التعامل مع المياه، قائمة على الاقتصاد في الاستهلاك والاستغلال الأمثل لكل قطرة ماء.

الوضع المائي في المغرب لم يعد مجرد تحد بيئي، بل تحول إلى رهان وجودي يتطلب إجراءات حاسمة وسريعة. رغم الجهود المبذولة، فإنها تبقى غير كافية لتأمين المياه للأجيال القادمة. المغرب مطالب اليوم بتسريع وتيرة الاستثمارات في تحلية المياه، إعادة تدوير المياه العادمة، واعتماد سياسات صارمة لتقنين الاستهلاك الزراعي والصناعي. كما أن التوعية المجتمعية أصبحت ضرورة ملحة، لأن الحفاظ على هذا المورد الحيوي ليس مسؤولية الدولة وحدها، بل مسؤولية كل مواطن.

في النهاية، قد تكون الحلول المطروحة قادرة على تأجيل الأزمة، لكنها لن تحل المشكلة جذريا إن لم يتم تبني استراتيجيات أكثر جرأة وصرامة. وكما قال الوزير نزار بركة: “لا يمكن تحقيق التنمية بدون إدارة مستدامة وعقلانية للمياه”.

مقالات ذات صلة