تعيش الطفلة المغربية “حفصة بدري”، البالغة من العمر 11 سنة والمنحدرة من أسرة مغربية مستقرة ببلجيكا، فصول مأساة إنسانية وصحية مركبة، وضعتها في سباق محموم مع الزمن من أجل البقاء، وسط حالة من الذهول والتعاطف الكبير الذي اجتاح الأوساط البلجيكية والمغاربية.
معركة ضد “الثلاسيميا”
حفصة، التي وصفت بـ “كتلة الطاقة” رغم مرضها، تصارع منذ سنوات مرض “بيتا-ثلاسيميا ماجور”، وهو فقر دم وراثي حاد يمنع جسمها من إنتاج الهيموغلوبين بشكل طبيعي. هذا الوضع جعل حياتها رهينة لعمليات نقل دم دورية (كل أسبوعين حاليا)، مما أدى إلى تراكم مفرط لمادة الحديد في أعضائها الحيوية، وهو ما ينذر بفشل عضوي وشيك ما لم يتم إجراء عملية “زراعة خلايا جذعية” في أقرب وقت.
المؤلم في قصة حفصة، هو المفارقة التي عاشتها أسرتها؛ فشقيقتها الكبرى “مريم” عانت من نفس المرض، لكنها نجت بفضل تطابق أنسجتها مع خالها “عبد الرحيم” الذي تبرع لها بخلاياه الجذعية وأنقذها. أما حفصة، فلم تجد متطابقا حتى الآن، لا داخل عائلتها الصغيرة، ولا حتى وسط أقاربها الذين أجروا فحوصات في المغرب، مما جعلها تواجه مصيرها وحيدة أمام سجلات دولية تضم 42 مليون متبرع، لكن دون “نظير وراثي” لحفصة.
العائق العرقي والبحث عن “إبرة في كومة قش”
وتكشف حالة حفصة عن ثغرة كبيرة في المنظومة الصحية الدولية؛ حيث أن التوافق لزراعة الخلايا الجذعية يعتمد على تركيبة وراثية دقيقة ترتبط بالأصول العرقية. وبما أن أغلب المتبرعين في السجلات العالمية من أصول أوروبية، فإن فرص العثور على متبرع لحفصة تظل ضئيلة جدا ما لم ينخرط “المغاربة” و”الشمال أفريقيين” بقوة في سجلات التبرع. فحفصة اليوم تبحث عن شخص “يشبهها” في جيناتها المغربية لينقذ حياتها.
قصة حفصة لم تمر مرور الكرام، فقد تجندت مدرستها وفعاليات مدنية ببلجيكا لإطلاق حملة “النداء الأخير”، مما أسفر عن تسجيل أزيد من 500 متبرع جديد من أصول مغاربية في يوم واحد، بينهم مشاهير ومؤثرون. ومع ذلك، لا يزال البحث جاريا عن “المتبرع المنقذ” الذي قد يكون موجودا في أي بقعة من العالم، وبشكل خاص داخل صفوف الجالية المغربية بأوروبا.
وتختصر حالة حفصة بدري معاناة العشرات من الأطفال المغاربة في ديار الغربة، الذين يواجهون الموت لا لنقص في الإمكانيات الطبية، بل لنقص في “التنوع الوراثي” داخل بنوك المتبرعين، مما يجعل التبرع بالخلايا الجذعية واجبا إنسانيا ووطنيا لضمان عدالة صحية لأبناء الوطن أينما وجدوا.


