الأكثر مشاهدة

بعد سلب حريتهم.. براءة أكثر من ألف معتقل احتياطي في 2024 تشعل نقاش “التعويض عن السجن”

أعاد التقرير السنوي الأخير لرئاسة النيابة العامة فتح ملف “الاعتقال الاحتياطي” فوق طاولة التشريح الحقوقي والقانوني؛ كاشفا عن معطيات رقمية دالة برسم سنة 2024، حيث سجلت محاكم المملكة صدور 1136 حكما بالبراءة لفائدة معتقلين كانوا يقبعون خلف القضبان رهن تدبير الاعتقال الاحتياطي. رقم، رغم دلالاته القوية، يفتح النقاش مجدداً حول كلفة هذا الإجراء الاستثنائي على مستوى الحريات الفردية وسير العدالة الجنائية.

وبلغة الأرقام، يرصد التقرير منحى تنازليا يعكس مجهودات “عقلنة” اللجوء إلى السجن؛ فقد انتقل عدد أحكام البراءة للمعتقلين احتياطيا من رقم ضخم ناهز 4107 أحكام سنة 2015، إلى 1136 حكما فقط في السنة الماضية. هذا الانخفاض الحاد، الذي بدأ يتخذ شكل استقرار منذ عام 2019، يراه مراقبون ثمرة لسياسة جنائية صارمة تشدد على عدم اللجوء للإيداع في السجن إلا في حالات “الضرورة القصوى”.

المسؤولية المشتركة: النيابة العامة وقضاة التحقيق

وفي تفصيل دقيق لجهة إصدار قرارات الاعتقال التي انتهت بالبراءة، كشفت المعطيات أن النيابة العامة كانت طرفا في 718 حالة، مقابل 356 حالة ناتجة عن قرارات قضاة التحقيق. هذا المعطى يسلط الضوء على أهمية تعزيز التنسيق القبلي وقياس جدوى الاعتقال، خاصة في الملفات التي تتوفر فيها ضمانات الحضور أو بدائل قانونية تغني عن سلب الحرية قبل الإدانة.

- Ad -

جغرافيا، لم تكن محاكم المملكة على قلب رجل واحد؛ حيث سجل التقرير تفاوتا لافتا في أعداد أحكام البراءة “الاحتياطية”. فبينما سجلت دوائر قضائية كبرى مثل الدار البيضاء، مراكش، القنيطرة، وبني ملال أرقاما مرتفعة نسبيا، ظلت محاكم أخرى في منأى عن هذه الظاهرة بحالات محدودة أو منعدمة، وهو ما أرجعه التقرير إلى تباين حجم القضايا الزجرية واختلاف مقاربات النيابات العامة في تقدير “خطر” المتهمين.

وخلصت رئاسة النيابة العامة إلى أن هذه المؤشرات تعزز التوجه نحو “أنسنة” المسطرة الجنائية، مع التشديد على أن تحليل أسباب هذه البراءات يظل أداة تقويمية لا محيد عنها لتطوير أدوات اتخاذ القرار. والهدف الأسمى يظل دائماً: التوازن الصعب بين حماية الأمن العام من جهة، وصيانة قرينة البراءة التي هي أصل لكل إنسان من جهة أخرى.

مقالات ذات صلة