الأكثر مشاهدة

قرار مجلس الأمن 2797 يربك الجزائر.. والأمم المتحدة تدرجها ضمن “الأطراف” لأول مرة

لم يكن المشهد العابر الذي التقط لوزير الدولة الجزائري المكلف بالخارجية، أحمد عطاف، وهو يخاطب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على هامش قمة العشرين بجوهانسبورغ، مجرد صورة تطوى في الأخبار. فملامح الرجل، وحركة يديه، ونبرة الاحتجاج الصامت الذي كاد ينفلت أمام الكاميرات، بدت اليوم أكثر وضوحا بعد صدور الصيغة النهائية لقرار مجلس الأمن رقم 2797.

القرار، الذي تأخر نشره بشكل غير مسبوق لمدة قاربت شهرا كاملا، كشف أن ما كان يجري في الكواليس لم يكن سوى محاولة لكبح العبارات التي ستدون في الوثيقة الأممية. ورغم غياب الجزائر عن جلسة التصويت، إلا أن النص المنشور على الموقع الرسمي للأمم المتحدة وضع الأمور في نصابها:
الحكم الذاتي المغربي هو أساس التفاوض… والأطراف المعنية أربعة وليست اثنين.

من “الطرفين” إلى “الأطراف”.. تغيير لغوي يهدم رواية الجزائر

لأول مرة، تخلى مجلس الأمن عن عبارة “الطرفين” التي كانت تحصر في المغرب والبوليساريو، واعتمد بدلا عنها كلمة “الأطراف” 13 مرة كاملة، داعيا الجميع — بمن فيهم الجزائر وموريتانيا — إلى الانخراط في مفاوضات “دون شروط مسبقة” وبناء على مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007.

- Ad -

هذا التحول اللغوي لم يكن بريئا، ويفسر الكثير من التحركات المتشنجة التي صدرت من المرادية مؤخرا، خصوصا إعلان عطاف في ندوة 18 نونبر 2025 استعداد بلاده لـ“الوساطة بين الطرفين”. وهي مبادرة تجاهلتها الرباط تماما، لسبب بسيط: لا يمكن لطرف في نزاع عمره 50 سنة أن يدعي الوساطة.

وبصدور القرار بصيغته النهائية، سقطت المبادرة الجزائرية من أساسها، وتحولت عمليا إلى موقف بلا سند سياسي أو قانوني.

البوليساريو… هل تصبح مشكلة جزائرية خالصة؟

الصيغة الأممية الجديدة تدفع الملف نحو قراءة مختلفة:
الجزائر ليست “مساندة” للبوليساريو كما تدعي، بل طرف مباشر في الصراع. وهذا يجعل مستقبل الجبهة مرتبطا مباشرة بالتراب الجزائري، الذي يحتضن قياداتها ويمول أنشطتها ويوفر لها غطاء دبلوماسيا.

وتتعمق الإشكالات حين نقرأ ما جاء في القرار بشأن “الحكم الذاتي الحقيقي”، وهو مسار لا يشمل سوى من تثبت صلته الاجتماعية بالأقاليم الجنوبية وفق إحصاء 1974، ما يعني أن آلاف الوافدين من الجزائر ومالي وموريتانيا يصبحون خارج أي تسوية مقبلة.

الرباط تقترب من خطوة أكبر… سحب الملف من اللجنة الرابعة؟

القرار الأممي يفتح الباب أمام خطوة دبلوماسية قد تربك الجزائر أكثر:
سحب القضية من اللجنة الرابعة المعنية بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي.

هذه الخطوة لا تحتاج سوى 97 صوتا داخل الجمعية العامة، حيث لا وجود للفيتو، في وقت تشير فيه معطيات سبتمبر الماضي إلى تعبئة مغربية واسعة لدول صغيرة ومتوسطة دعما للحكم الذاتي.

وقد سبق للملك محمد السادس أن أكد أن ثلثي الدول الأعضاء باتت تعتبر المبادرة المغربية “الإطار الوحيد للحل”، مدعومة بمواقف الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا والاتحاد الأوروبي.

على ضوء كل هذه التطورات، يظهر أن قرار 2797 لم يغيّر فقط لغة الأمم المتحدة، بل أعاد رسم أدوار اللاعبين.
فالجزائر، كما تشير مواقف واشنطن ولندن وباريس، أصبحت طرفا أصيلا في النزاع، بينما تتجه الأمم المتحدة نحو تثبيت المبادرة المغربية كأرضية وحيدة للتفاوض.

وبين لغة عطاف المتوترة في قمة العشرين وصيغة القرار المنشور، يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد تحولات حاسمة في مسار نزاع عمره نصف قرن، بعدما بدا أن المجتمع الدولي قد حسم — لأول مرة بهذا الوضوح — شكل الحل وحدود الأطراف.

مقالات ذات صلة