لم يعد التمكين الاقتصادي للمرأة المغربية مجرد شعارات ترفع في الندوات، بل استحال واقعا رقميا يفرضه القطاع البنكي الذي بات “النموذج الأنجع” وطنيا في تحقيق التوازن بين الجنسين. فوفقا لأحدث التقارير الصادرة عن مركز أبحاث “بي إم سي إي كابيتال غلوبال ريسورش” (BKGR)، تعيش المصارف المغربية الكبرى طفرة غير مسبوقة في سياسات الحكامة والمسؤولية الاجتماعية، واضعة “المرأة” في قلب محركاتها الإنتاجية.
البنك الشعبي.. الغلبة لـ “نون النسوة”
في سابقة رقمية، كشف التقرير أن النساء في “البنك الشعبي المركزي” لم يقتربن من المناصفة فحسب، بل تجاوزن نظراءهن الذكور لتصل نسبتهن إلى 57% من إجمالي الموظفين البالغ عددهم 8400 أجير. هذه المؤسسة لم تكتف بالعدد، بل جعلت من “الرأسمال البشري” ركيزة بنيوية، حيث رصدت ميزانية ضخمة بلغت 43 مليون درهم للتكوين عبر أكاديميات داخلية متخصصة في التحول الرقمي والمهن البنكية الدقيقة.
التجاري وفا بنك.. من “التشغيل” إلى “صنع القرار”
من جهتها، تواصل مؤسسة “التجاري وفا بنك” منحاها التصاعدي، حيث يشكل النساء 44.6% من طاقمها البشري المكون من 8317 أجيرا. لكن الرقم الأبرز الذي توقف عنده المحللون هو القفزة النوعية في “مناصب المسؤولية”، والتي ارتفعت من 14.3% في 2023 إلى 18.2% في 2024. هذا التحول يعكس رغبة حقيقية في كسر “السقف الزجاجي” وتمكين الكفاءات النسائية من الوصول إلى مراكز اتخاذ القرار، مدعومة بميزانية تكوين ناهزت 35 مليون درهم.
بنك إفريقيا.. جودة التكوين والرضا الوظيفي
أما “بنك إفريقيا” (BANK OF AFRICA)، فقد اختار صياغة هويته المجتمعية عبر الإدماج المالي وتطوير الكفاءات. البنك الذي يشغل أكثر من 4600 أجير (44% منهم نساء)، رفع من وتيرة التكوين بشكل ملحوظ في 2024 ليصل إلى 20,456 يوما تكوينيا. والنتيجة؟ نسبة رضا عامة بلغت 94.5%، مما يؤكد نجاعة سياسة الموارد البشرية التي تركز على الحركية الداخلية والرقمنة وتدبير المخاطر في سياق قاري معقد.
وخلص تقرير (BKGR) إلى أن البنوك المدرجة في البورصة المغربية انتقلت إلى مرحلة “الإفصاح المنهجي” عن أوضاع مواردها البشرية. هذا الالتزام بالشفافية في كشف أرقام التنوع والتكوين ليس مجرد إجراء إداري، بل هو جزء من سياسة “المسؤولية الاجتماعية والبيئية والحكامة” التي تنهجها هذه المؤسسات لتأكيد نضجها المؤسساتي وقدرتها على مواكبة المعايير الدولية.
بهذه الأرقام، يؤكد القطاع البنكي المغربي أنه “القاطرة” التي تقود التغيير الاجتماعي في بيئة العمل، محولا المؤسسات المالية إلى فضاءات حاضنة للكفاءة، بعيدا عن الصور النمطية، ومنتصرا لقيم الاستحقاق والتكوين المستمر.


