في منعطف قضائي غير متوقع، قضت محكمة الاستئناف بالرباط بإلغاء حكم ابتدائي كان قد أنصف زبونة في نزاعها مع بنك، لتجد نفسها اليوم مطالبة بتسديد ما يقارب 600 ألف درهم رغم أنها لم تتسلم درهما واحدا من هذا القرض، بعدما عمدت موثقة إلى اختلاسه كاملا.
القضية، التي تابعتها وسائل إعلام وطنية، شهدت تطورا حاسما خلال جلسة 26 نونبر، حيث اعتبر قضاة الاستئناف أن البنك غير مسؤول عن عملية صرف المبلغ قبل استكمال الإجراءات النهائية للموثق، خلافا لما ذهبت إليه المحكمة الابتدائية في فبراير الماضي. وبينما كانت الزبونة تعتقد أنها في طريقها لاسترجاع حقها، جاء الحكم الجديد ليقلب المعادلة رأسا على عقب، ملزما إياها بتسديد 587.369,31 درهما مع فوائد التأخير، تحت طائلة الإكراه البدني إذا لم تنفذ الحكم.
وتتزامن هذه التطورات مع كون الموثقة المتورطة في الملف تقضي حكما بالسجن لمدة ست سنوات بتهمة خيانة الأمانة، بعدما أثبتت التحقيقات أنها استولت على المبلغ موضوع العقد. غير أن هذا الحكم الجنائي لم ينقذ الزبونة من مسؤولية الأداء المدني، ما جعل الكثيرين يعتبرون القضية شكلا من “العقاب المضاعف” للضحية.
صندوق ضمان الموثقين… آلية موجودة لكنها شبه مشلولة
هذا الملف يعيد بقوة إلى الواجهة النقاش القديم حول فعالية صندوق ضمان الموثقين، وهو الآلية المفترض أن تعوض المتضررين من أخطاء واختلاسات الممارسين لمهنة التوثيق.
ورغم أن الصندوق راكم احتياطيا يناهز 500 مليون درهم سنة 2023، إلا أن تفعيله ما يزال محاطا بتعقيدات مسطرية تجعل الاستفادة منه شبه مستحيلة دون أحكام نهائية وبراهين على عجز الموثق عن الأداء، وهي مساطر قد تستغرق سنوات طويلة، بينما يعيش الضحايا تحت ضغط الدعاوى البنكية والقروض المستحقة.
نحو مراجعة شاملة للنظام؟
مصادر مهنية تشير إلى أن المجلس الوطني لهيئة الموثقين يدرس إعادة هيكلة شاملة لمنظومة الضمان. من بين المقترحات المطروحة، اعتماد تعويض مباشر للمتضررين بناء على خبرة قضائية وتقارير مهنية، دون انتظار نهاية كل مراحل التقاضي.
هذا التوجه، في حال اعتماده، قد يمنع تكرار مآس مشابهة، حيث يجد المواطن نفسه مطالبا بتسديد قرض لم يستفد أصلا من سنتيم واحد منه.
القضية اليوم تتجاوز بعدها الفردي، وتطرح سؤالا عميقا حول الثقة في المنظومة التعاقدية والمالية بالمغرب، وحول قدرة المؤسسات المهنية على حماية المواطنين من الثغرات التي قد تجعل الضحية في موقع المدان.


